اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : صبحي الصالح الجزء : 1 صفحة : 24
سومنه الإشارة السريعة على سبيل الرمز والإيماء، كما في قوله عن زكرياء: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [1]، والمعروف في تفسيرها أن زكريا أشار إليهم إشارة وحية سريعة ولم يتكلم.
ومنه الإيماء بالجوارح، وعليه قال الشاعر:
نظرت إليها نظرة فتحيرت ... دقائق فكري في بديع صفاتها
فأوحى إليها الطرف أني أحبها ... فأثر ذاك الوحي في وجناتها2
وعبر القرآن بالوحي عن وسواس الشيطان وتزيينه خواطر الشر للإنسان، فقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [3]، وقال: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [4]، مثلما عبر بالوحي أيضا عما يلقيه الله إلى الملائكة من أمره ليفعلوه من فورهم، كقوله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [5].
أما تعبيره بالوحي عما يكلف الله الملك حمله إلى النبي من آيات كتبه المنزلة فهو شديد الصلة بتعبيره بالوحي إلى النبي نفسه، وما بين مدلولي التعبير من اختلاف لا يعدو الوظيفة التي يتحملها ملك الوحي بالنقل الأمين، ويتحملها النبي بالوعي والحفظ والتبليغ. من ذلك قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [6]: إذ المراد أن الله أوحى إلى عبده جبريل ملك الوحي الأمين، ما أوحاه جبريل إلى محمد خاتم النبيين، ومدلول الوحي إذن في هذه الآية كمدلول التنزيل الصريح في الآية الأخرى في قوله: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [7]. [1] مريم 11.
2 قارن بمفردات الراغب الأصفهاني. [3] الأنعام 112. [4] الأنعام 121. [5] الأنفال 12. [6] النجم 10. [7] الشعراء 192- 195.
اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : صبحي الصالح الجزء : 1 صفحة : 24