اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : صبحي الصالح الجزء : 1 صفحة : 171
أنزلت ليلا. روى الطبراني[1] عن أبي مريم الغساني قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ولدت لي الليلة جارية، فقال: "والليلة أنزلت علي سورة مريم، سمها مريم" [2]. وأول سورة الفتح نزلت ليلاً، ففي البخاري من حديث عمر: "لقد نزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس"، فقرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [3]. وأول سورة الحج: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} نزل ليلا في غزوة بني المصطلق، وهم حي من خزاعة، والناس يسيرون[4].
ويوشك أحدنا -إذا جعل الروايات الصحيحة عمدته- أن يستحضر النازل القرآني في أي جزء من الليل كان؛ في وسطه أم أوله أم آخره، وإني لأتمثل هذه اللحظة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح حين نزل عليه -كما في الصحيح- قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [5]، ثم أتمثله صلوات الله عليه في خيمة من أدم وقد بات نفر من أصحابه على باب الخيمة يحرسونه، فلما أن كان بعد هزيع من الليل أنزل الله عليه: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [6]. وأتمثله أخيرا عند السيدة أم سلمة أم المؤمنين وقد بقي من الليل ثلثه[7] حين نزلت عليه آية الثلاثة الذين خلفوا[8].
ولقد تكون الليلة شاتية، ويكون البرد فيها شديدا، فلا يفوت الراوي أن يصفها لنا إرهاصا لذكر الآيات التي نزلت في هذا الجو المكفهر، فما من [1] الطبراني هو الحافظ المكثر صاحب التصانيف المفيدة، وأشهرها المعاجم الثلاثة، الكبير والصغير والأوسط، توفي سنة 360هـ عن مائة سنة وعشرة أشهر "انظر الرسالة المستطرفة لمحمد بن جعفر الكتاني ص30". [2] الإتقان 1/ 35. [3] صحيح البخاري 6/ 135. [4] البرهان 1/ 198. [5] سورة آل عمران 128 "وانظر الإتقان 1/ 36". [6] سورة المائدة 67. [7] كما في صحيح مسلم عن أنس "الإتقان 1/ 38". [8] سورة التوبة 118.
اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : صبحي الصالح الجزء : 1 صفحة : 171