اسم الکتاب : مباحث في التفسير الموضوعي المؤلف : مصطفى مسلم الجزء : 1 صفحة : 306
جبلية أو أشجار سامقة، ولعلها كانت بعض الصحاري الممتدة أو السهول الواسعة، فالمكان لم يحدد والستر لم يعين {لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} [1].
ونظرًا لوضوح سياسة ذي القرنين في الشعوب التي تمكن منها، وهو الدستور المعلن في رحلة الغرب لم يكرر هنا إعلان مبادئه، لأنها منهج حياة ودستور ودولة مترامية الأطراف وسياسة أمم فهو ملتزم بها أينما حل أو ارتحل {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} .
إلا أن الرحلة الثالثة تختلف عن الرحلتين السابقتين من حيث طبيعة الأرض والتعامل مع البشر سكان المنطقة، ومن حيث الأعمال التي قام بها فلم يقتصر فيها على الأعمال الجهادية لكبح جماح الأشرار والمفسدين، بل قام بعمل عمران هائل.
أما الأرض فوعرة المسالك، وأما السكان -وكان وعورة الأرض قد أثرت على طبائعهم وطريقة تخاطبهم مع غيرهم- فهناك المشقة في التفاهم والمخاطبة بحيث لا يكاد الإنسان منهم يقدر على التعبير عما في نفسه، ولا أن يفقه ما يحدثه به غير بني قومه {وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} إما في أسلوب التخاطب والتعامل -كما أسلفنا- أو من التخلف الحضاري والبدائية في العادات والمفاهيم والمصطلحات.
فلما وجدوا القوة في دولة ذي القرنين والعدل والصلاح في سيرته -وعدل السلطان بفتح أمامه القلوب قبل فتح الجيوش الأمصار- لجئوا إليه لحمايتهم من [1] الستر يطلق على الحواجز الطبيعية من الجبال والأشجار، وكذلك على ما يحجب ضوء الشمس من الأمور الصناعية من بنيان وملابس، وبكل احتمال مما سبق قال بعض المفسرين.
ويرجع الدكتور عبد العليم خضر أن الموضع الذي وصل إليه القرنين في جوله المشرق هي المناطق الصحراوية المطلة على المحيط الهندي وتعرف باسم "غيدروسيا" وكانت مأوى القبائل المتأخرة وكانت تغير على تخوم الدولة المجاورة فأراد ذو القرنين تأديبها وحماية حدود دولته الشرقية منهم. انظر: مفاهيم جغرافية: 269.
اسم الکتاب : مباحث في التفسير الموضوعي المؤلف : مصطفى مسلم الجزء : 1 صفحة : 306