اسم الکتاب : مباحث في التفسير الموضوعي المؤلف : مصطفى مسلم الجزء : 1 صفحة : 283
الرجل فيندفع مستنكرًا"[1].
ورغم وجاهة التعليل الذي ذكره سيد قطب رحمه الله تعالى ومطابقته للحادثة الأولى، فإن المفاجأة تفقد صدمتها عندما تتكرر، وخاصة عند التذكير بالوعد المرة تلو المرة، كما أن التجربة تكسب الخبرة، فلا يتماشى هذا التعليل مع الحادثة الثانية والثالثة. ولئن كانت الأولى نسيانًا واندهاشًا بهول الحادثة، فقد كانت الثانية عمدًا، والثالثة رغبة في الفراق.
فلا بد من مبرر منطقي يستمسك به موسى عليه السلام ودافع شرعي يمنعه من السكوت على ما يشاهده أمامه.
ولعلى هذا السبب دفع بعض المفسرين ليقولوا توجيهًا آخر. [1] في ظلال القرآن 6/ 2279.
ثالثها: مبادئ شريعة التوراة
ذهب بعض المفسرين إلى أن موقف موسى عليه السلام من الاعتراض على الحوادث التي يخالف ظاهرها شريعة التوراة، منسجم تمام الانسجام مع أحكام التوراة، ولو لم يقف هذا الموقف لكان مؤاخذًا بموجب شريعته.
يقول البقاعي: "من العهد الوثيق المكرر في جميع أسفار التوراة بعد إثباته في لوحي الشهادة في العشر كلمات -التي نسبتها من التوراة كنسبة الفاتحة من القرآن- بالأمر القطعي أنه لا يقر على منكر"[1].
فإنكار المنكر في حينه ركن من أركان الدين ولا يجوز السكوت عليه، ولما ترك بنو إسرائيل هذا الركن من شريعتهم استحقوا لعنة الله على لسان أنبيائهم {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78، 79] .
ولا يقال: لكن موسى عليه السلام أعطى وعدًا وقطع عهدًا على نفسه بعدم [1] نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي: 12/ 111.
اسم الکتاب : مباحث في التفسير الموضوعي المؤلف : مصطفى مسلم الجزء : 1 صفحة : 283