responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 581
وقد يرشّح هذا المعنى أيضا تغيير النظم في هذه الآية، وصرف الخطاب فيها عن وجهه بتوجيهه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتكليفه أن يأمر الناس بغض الأبصار، فإنّ في هذه الطريقة إشعارا بأنّ هذا الفعل قبيح، وأنّ صاحبه يستحق أن يعرض عنه، ويصرف الخطاب إلى غيره.
ولا يلزم من مراعاة هذا المعنى في جانب الأمر بغضّ البصر أن يراعى أيضا في الأمر بحفظ الفروج، فإنّ أمر الفروج عظيم ينبغي أن يشدد فيه أكثر مما يشدد في غيره، فلا يستقيم مع ذلك أن يؤتى في جانب الأمر بحفظ الفروج بعبارة توهم صورتها أنّ بعض الفروج قد يتساهل فيه، [و] لا يشدد في الأمر بحفظه.
وقال صاحب «الكشاف» [1] : إنما دخلت مِنْ في غضّ البصر دون حفظ الفرج للدلالة على أنّ أمر النظر أوسع، ألا ترى أنّ المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن وصدورهن وثديهن وأعضادهن وسوقهن وأقدامهن، وكذلك الجواري المستعرضات للبيع، وأنّ الأجنبية ينظر إلى وجهها وكفيها. وأمّا أمر الفرج فمضيّق، وكفاك فرقا أن أبيح النظر إلا ما استثني منه، وحظر الجماع إلا ما استثني منه.
وقد اختلف في المراد بحفظ الفروج، فقيل: إنّ معناه تجنب الزنى واللواطة، وقيل: إن المراد سترها، فلا يحل للمؤمن أن يكشف عن سوءته، ولا أن يلبس لباسا رقيقا يشفّ عما تحته، ويبين عورته، ولا مانع من إرادة المعنيين جميعا.
ثم لا يخفى وجه الجمع بين أمرين:
أحدهما: متعلق بحفظ الأبصار.
والثاني: متعلق بحفظ الفروج فإنّ النظر إلى المحرم من أقوى الدواعي إلى الوقوع في الفجور، فكان حراما، لأن من شأنه أن يؤدي إلى الحرام، فإن وقع القصر على محرم من غير قصد وجب أن يصرف عنه، وليس على المرء إثم في النظرة الأولى غير المقصودة،
فقد روى مسلم [2] عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري.
وروى أبو داود عن بريدة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإنّ لك الأولى وليست لك الآخرة» [3] .
ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ أي ما ذكر من غضّ البصر وحفظ الفرج أطهر لقلوبهم، وأنقى

[1] الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل للزمخشري (3/ 229) .
[2] رواه مسلم في الصحيح (3/ 699) ، 3- كتاب الآداب، 10- باب نظر الفجأة حديث رقم (2159) .
[3] رواه الترمذي في الجامع الصحيح (5/ 94) ، كتاب الآداب، باب نظر الفجأة حديث رقم (2778) ، وأبو داود في السنن (2/ 214) ، كتاب النكاح، باب ما يؤمر به حديث رقم (2149) .
اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 581
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست