اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي الجزء : 1 صفحة : 493
فإذا قلنا: إن فرضيته باقية لم تنسخ في عهد نبي بعده كانت الأوامر الواردة به في شريعتنا تأكيدا لهذه الفرضية، وإذا علمت أن نبينا محمدا صلّى الله عليه وسلّم قد حجّ حجتين قبل الهجرة، وحج بعد الهجرة حجة الوداع في السنة العاشرة، علمت أنّ أولى هذه الحجات وقعت عن فريضة الإسلام.
وإن قلنا: إن فرضيته قد نسخت بعد سيدنا إبراهيم، كان وجوبه علينا ثابتا بقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97] إذ هي الآية الصريحة في هذا الوجوب.
وأما قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: 196] عام الوفود على الراجح، وهذا العام هو الذي قدم فيه وفد نجران على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وصالحهم فيه على الجزية، ومعلوم أنّ مبدأ مشروعية الجزية كان عام غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة، وعلى هذا يكون مبدأ فرضية الحج في السنة التاسعة، وتكون الحجتان اللتان فعلهما النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل ذلك نافلتين، تطوّع بهما على دين سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
ولقائل أن يقول: فلماذا لم يبادر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأداء الحج في تلك السنة، وهو أفضل الخلق، وأسبقهم إلى الخيرات، وأسرعهم إلى تأدية فرائض الله، وكيف يرسل أبا بكر ليحج بالناس، ويؤخر هو حجته إلى السنة التي بعدها؟
والجواب على ذلك أنه رؤي أن الوقت الذي خرج فيه أبو بكر ليحج بالناس كان زمن النسيء، ولم يكن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض حتى تعود عشر ذي الحجة إلى مركزها الحقيقي من السنة، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يعلم أنها ستعود إلى مركزها الحقيقي، وينضبط نظام السنين القمرية في السنة العاشرة فتأخر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى السنة العاشرة كان لحكمة عظيمة، كي يقع حجّة الذي سيكون منهاجا للناس جميعا في الوقت الحقيقي الذي فرض الله على الناس أن يقوموا فيه بتلك الشعيرة، وليس على أبي بكر ولا على غيره ممن كانوا معه من حرج في حجهم في ذلك الوقت ما دام أمر الزمان لم يتقرر بعد.
ونعود إلى التفسير:
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ الأذان والتأذين الإعلام برفع الصوت على نحو ما يكون للصلاة. والمراد هنا النداء في الناس بأنّ الله قد كتب عليهم الحجّ، ودعاهم إلى أدائه.
رِجالًا جمع راجل، كقيام جمع قائم، أي ماشين.
وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ الضامر النحيف الهزيل، والمراد به هنا الهزيل من مشقة السفر يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يأتين صفة لضامر، لأنه لما دخلت عليه أداة العموم صيّرته بمعنى ضوامر. والمعنى: وعلى ضوامر يأتين.
اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي الجزء : 1 صفحة : 493