اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي الجزء : 1 صفحة : 122
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (202) لما كانت أعمال الحج كثيرة، وهي لا تخلو عن تقصير، أمرهم بالاستغفار، وقد يكون فيه إشارة إلى ترجيح أن الإفاضة المأمور بها هي من عرفات، على نحو ما ورد في سبب النزول، فكأنّ ما وقع من الحمس يؤاخذ عليه، فلذلك طلب منهم الاستغفار.
فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً. روى ابن عباس أنّ العرب كانوا عند الفراغ من حجتهم يعدّ الواحد منهم أيام آبائه في السماحة والحماسة وصلة الرحم ويتناشدون فيها الأشعار. فلما أنعم الله عليهم بنعمة الإسلام أمرهم بأن يذكروه كذكرهم لآبائهم.
وروى القفال عن ابن عمر قال: طاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على راحلته القصواء يوم الفتح، يستلم الركن بمحجنه [1] ، ثم حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد أيها الناس! إنّ الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها! إنما النّاس رجلان: برّ تقي كريم على الله، وفاجر شقي هيّن على الله، والنّاس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب، ثم تلا:
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ.. [الحجرات: 13] ثم قال:
«أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم» [2] .
والمراد من قضاء المناسك الفراغ منها، والمناسك جمع منسك، وهو مصدر، بمعنى النسك، أي العبادة، والمعنى فإذا فرغتم من عبادتكم التي أمرتم بها في الحج فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً.
اختلفوا في هذا الذكر المأمور به، فمنهم من حمله على الذكر على الذبيحة، ومنهم من حمله على الذكر الذي هو التكبير بعد الصّلاة في يوم النحر وأيام التشريق، لأنّه لم يعرف في هذه الأيام ذكر خاص إلا هذا الذكر. وقيل: بل كان القوم في الجاهلية اعتادوا ذكر مفاخرهم، وتعداد مناقبهم، وآبائهم، فأمرهم الله هذا ليحوّلهم عن هذه العادة القبيحة، وقيل غير هذا.
كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً معناه: أنّ الأجدر بكم، وقد أنعم الله عليكم بشهود الحجّ أن تشتغلوا بذكر الله، لا بذكر آبائكم، يعني تتوفّروا على ذكره، كما كنتم تتوفرّون على ذكرهم، بل هذا أولى، لأن ذكركم وثناءكم على آبائكم قد يكون كذبا. [1] عصا معوجة، انظر لسان العرب لابن منظور (13/ 108) . [2] رواه الترمذي في الجامع الصحيح (5/ 363) ، كتاب التفسير باب ومن سورة الحجرات حديث رقم (3270) .
اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي الجزء : 1 صفحة : 122