اسم الکتاب : تصديق القرآن للكتب السماوية وهيمنته عليها المؤلف : إبراهيم عبد الحميد سلامة الجزء : 1 صفحة : 85
مظاهر هيمنة القرآن على الكتب السماوية:
لهيمنة القرآن على كتب الله المنزلة قبله -فوق ما تقدم من تصديقه لها- مظاهر متعددة منها ما يلي:
1- أن القرآن الكريم أخبر بتحريف هذه الكتب وتبديلها، وأنها لم تبق على ما كان مفروضا فيها من الثقة بها وحقية كل ما فيها، بل تناولتها أيدي أهل الكتاب الآثمة بالتحريف والتبديل، وتناولوا ما بقي منها بالتأويل الفاسد، طبقا للأهواء والشهوات، أو متابعة لذوي السلطان، أو محاولة لكسب الجدل على أعدائهم وخصومهم، بل أخبر القرآن كذلك أنهم كتبوا الكتب بأيديهم ونسبوها إلى الله زورا وبهتانا: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [3].
2- بين القرآن الكريم من المسائل الكبرى التي خالفوا فيها الحق واختلفوا فيها.
ففي جانب العقائد -على سبيل المثال– نفى ما صرّحت به الأناجيل من قتل عيسى عليه السلام وصلبه فقال: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [4] وحكم على النصارى بالكفر لقولهم [3] البقرة /79. [4] النساء آية 157.
ولقد نقل القرطبي في تفسيره: أن بعض العلماء قد فسروا الهيمنة بالتصديق، ونقل الآلوسيّ مثله، واستدل هؤلاء على ما ذكروه من تفسير الهيمنة بالتصديق، بقول الشاعر:
إن الكتاب مهيمن لنبينا ... والحق يعرفه ذوو الألباب
ثم قال الآلوسي: والعطف حينئذ للتأكيد أي عطف (مهيمنا) على (مصدقا) [1].
ولكني أرجح ما ذكرته أولا: لأن تفسير الهيمنة بالتصديق وإن كان مسلما لغة إلا أن قصر الهيمنة على مجرد التصديق تحكم محض إذ هي -على ما بينا- ليست تصديقا فقط، ولا شهادة لهذه الكتب فحسب، بل هي تصديق لما بقي من أصلها، وتكذيب لما عداه، وشهادة لها بصحة إنزال أصولها، وعليها بالتحريف والتبديل وبذلك يكون العطف للتأسيس لا للتأكيد.
يقول الدكتور محمد عبد الله دراز -رحمه الله- بعد أن فسر الهيمنة بالحراسة الأمينة: "ومن قضية الحراسة الأمينة على تلك الكتب أن لا يكتفي الحارس بتأييد ما خلده التاريخ فيها من حق وخير، بل عليه -فوق ذلك- أن يحميها من الدخيل الذي عساه أن يضاف إليها بغير حق، وأن يبرز ما تمس إليه الحاجة من الحقائق التي عساها أن تكون قد أخفيت منها، وهكذا كان من مهمة القرآن أن ينفى عنها الزوائد، وأن يتحدى من يدعي وجودها في تلك الكتب..
{قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} كما كان من مهمته أن يبين ما ينبغي تبيينه مما كتموه منها"[2]. [1] انظر تفسير القرطبي 4/2207، والآلوسي 6/152. [2] الدين د. محمد عبد الله دراز /189.
اسم الکتاب : تصديق القرآن للكتب السماوية وهيمنته عليها المؤلف : إبراهيم عبد الحميد سلامة الجزء : 1 صفحة : 85