اسم الکتاب : تصديق القرآن للكتب السماوية وهيمنته عليها المؤلف : إبراهيم عبد الحميد سلامة الجزء : 1 صفحة : 84
علاقة الهيمنة بالتصديق:
لعلنا - في ضوء ما تقدم - نستطيع أن نقرر أن مفهوم الهيمنة أتم وأشمل من مفهوم التصديق، لأن الهيمنة لا تقتصر على مجرد الشهادة لهذه الكتب بصحة إنزال أصولها، وتقرير أصول شرائعها، بل ِتتعدى ذلك فتبين ما اعتراها من نسخ أو تحريف وما عرض لها من زيف وفساد، فالقرآن بذلك مهيمن على المعاني الصحيحة التي كانت في تلك الكتب وشاهد بكونها من عند الله، وبذلك تتلاقى الهيمنة مع التصديق، ولكنه كذلك يشهد على هذه الكتب بما أصابها من تحريف، وتسرب إليها من باطل، وبه تنفرد الهيمنة عن التصديق، فمفهومها إذا أتم وأشمل من مفهوم التصديق.
1 آل عمران 71.
2 المائدة 48.
3 تفسير المنار 6/410-411.
4 تفسير ابن كثير المجلد الثالث /119.
هيمنة القرآن على الكتب السماوية:
تبين لنا مما سبق أن القرآن مصدق لما بين يديه من كتب الله، كما كان شأن غيره من هذه الكتب، يصدق اللاحق منها ما سابقه ويؤيده، فالإنجيل مصدق ومؤيد للتوراة، والقرآن الكريم مصدق ومؤيد للتوراة والإنجيل، ولكل ما بين يديه من كتب الله بالمعنى الذي قررناه آنفا، فليس المراد إذا بهذا التصديق الشهادة بحقية كل ما انتهى إليه من هذه الكتب، كما زعم ذلك خصوم الإسلام وأعداؤه، لأن هذه الكتب قد تناولتها الأيدي الآثمة بالتحريف والتبديل، والحذف والإضافة، فزالت الثقة بها، وانقطعت أو كادت تنقطع صلتها بالوحي السماوي، والتبس الحق النازل من عند الله بباطل أهل الكتاب وزيفهم مصداقا لقوله تعالى:
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1.
ومن أجل ذلك جاء هذا الكتاب العزيز مهيمنا على تلك الكتب، فيقر منها ما هو حق وينفي ما عداه، وفي ذلك يقول ربنا -جل في علاه-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ..} 2.
أي أن القرآن أمين وشهيد ورقيب على تلك الكتب، فما وافقه منها فهو حق وما خالفه منها فهو باطل.
قال صاحب المنار: "وأما قوله: {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} فمعناه أنه رقيب عليها وشهيد بما بينه من حقيقة حالها في أصل إنزالها، وما كان من شأن من خوطبوا بها من نسيان حظ عظيم منها وإضاعته، وتحريف كثير مما بقي منها وتأويله والإعراض عن الحكم والعمل بها، فهو يحكم عليها؛ لأنه جاء بعدها3.
ويقول ابن كثير: "…وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى، فإن اسم المهيمن يتضمن هذا كله، فالقرآن أمين وحاكم وشاهد على كل كتاب قبله، وجعل الله هذا الكتاب العظيم آخر الكتب وخاتمها وأشملها وأعظمها وأحكمها حيث جمع فيه محاسن ما قبله وزاده من الكمالات كمالا ليس في غيره، فلهذا جعله شاهدا وأمينا وحاكما عليها وتكفل بحفظه بنفسه"4.
اسم الکتاب : تصديق القرآن للكتب السماوية وهيمنته عليها المؤلف : إبراهيم عبد الحميد سلامة الجزء : 1 صفحة : 84