اسم الکتاب : ترجمة القرآن الكريم المؤلف : أحمد علي عبد الله الجزء : 1 صفحة : 99
المقتطفات أعلاه تؤكد أن هناك أكثر من وجه واحد للإعجاز القرآني، وإن كان ذلك لا يمنع من أن يكون الإعجاز اللفظي مشتركاً في تصوير أي معنى أو جانباً عن معانيه السامية والمقصودة أصلاً بالتصديق والاتباع.
غير أن الإعجاز اللفظي ليس مقصودا لذاته وإنما أريد به نقل المعنى في أحسن صورة وأبلغها وأنجعها، حتى كان المعنى هو الغاية واللفظ هو الأداة والوسيلة، وكثير من الناس يعتقد أن القرآن أعجز العرب بفصاحته فحسب، ولكنه في الحقيقة أعجزهم بفصاحته وبمعانيه معا، فهم لم ينكروا أن الألفاظ والتعابير هي ألفاظهم وتعابيرهم وإن عجزوا عن نظم مثل نظمها ولكنهم قالوا إن هذه المعاني ليست مما عرفوا، وقالوا هي ليست من صنع البشر فنسبوها للكهنة وللجن، وعلى أي فمراد الله حتى من عجزهم عن بناء اللفظ إنما لينتبهوا ويعوا الحقيقة: إن هذا المعنى القرآني ليس من صنع البشر حتى يؤمنوا به ويعملوا بمقتضاه فيكتب لهم النجاح في الدنيا والنجاة والفلاح في الآخرة.
والإعجاز القرآني جملة ومنه اللفظي إنما يتجلى للمسلمين على درجات متفاوتة وإن الذين يقفون على جل أسرار الإعجاز اللفظي فقط قلة حتى بين العرب فإذا غاب الإعجاز اللفظي على نسبة كبيرة من المسلمين العرب فهو على غيرهم من المسلمين أكثر غيابا، فلماذا والحال كذلك تضع العراقيل في وجه تبليغ الدعوة للناس كافة على أمر هو على أهميته وسيلة وليس غاية في حد ذاته، ليس ذلك فحسب بل إن هذه الوسيلة لا تدرك على أكمل وجه وأبلغه بمجرد تعلم اللغة العربية وإنما ببلوغ درجات عظيمة في علومها وفنونها، ومع ذلك فإن مفاتيح إدراك وجوه الإعجاز والمعاني القرآنية لا تكمن في اللغة فحسب وإن كانت اللغة أهم أدواتها، ولكن بشاشة الإيمان وصدقه وإخلاص القلب وصفاءه هي المصابيح التي تنير طريق المؤمن وتكشف خبايا هذا الكنز الميسر للمؤمنين إن شاء الله {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} .
وبشاشة الإيمان كما لا يخفى لا تدرك بكثير علم في الشرع ولا باللغة ولكن بنور الله الذي يعطاه من أصدق الله ونصره، فما سبق الناس أبو بكر بكثرة الصيام ولا قيام ولكن سبقهم بشيء في قلبه، وبالعبادة يرقى العبد إلى أعلى عليين فيدفعه ذلك إلى التعطش للمعرفة والتقرب إلى الله من خلال الحديث إليه مباشرة والأخذ من مأدبته: ألا إن مأدبة الله القرآن: فيجد المسلم - والحال كذلك - نفسه مدفوعاً إلى تعلم العربية وفنونها وهو الأفضل لأن الحاجة لتعلمها تأتي من خلال الحاجة لاستعمالها وذلك هو المحك الرئيسي للعلم وهذا
اسم الکتاب : ترجمة القرآن الكريم المؤلف : أحمد علي عبد الله الجزء : 1 صفحة : 99