مطلب وجوب الاستماع والسكوت عند القراءة:
قال تعالى «وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ» أيها الناس بتفكر وتدبر وأصفوا له بكليتكم لتفهموا معانيه وتعوا مواعظه «وَأَنْصِتُوا» عند قراءته ليقر في قلوبكم وتلهموا مبانيه لأن الكلام عند سماعه لا يجوز إذ يضيع المغزى المراد منه لذلك أمركم ربكم بالسكوت، وهذان أمران ظاهرهما الوجوب، فيكون الاستماع والسكوت واجبين عليكم أيها المؤمنون عند قراءة القرآن بدليل هذه الآية، وكلمة أنصتوا لم تكرر إلا في الآية 29 من سورة الأحقاف ج 2، قال الحسن وأهل الظاهر (إذا قرىء القرآن في أي وقت وموضع يجب على كل واحد الاستماع والسكوت لعموم الأمر، ولذلك قال عروة ابن الزبير والقاسم بن محمد إن المأموم يقرأ إذا أسرّ الإمام ولا يقرأ إذا جهر وهو رواية عن ابن عمرو، هذا بالنسبة للتفسير أحسن من رواية من رأى وجوبها في حالتي الإسرار والجهر إذ قال به الأوزاعي وذهب إليه الشافعي رضي الله عنه وهو مروي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود ومعاذ، وحجتهم أن الآية نزلت على وجوب قراءة الفاتحة خلف الإمام ولم يفرق بين السرية والجهرية، ويستدلون بالأخبار الواردة بقراءة الفاتحة، وأحسن من روايته من رأى عدم القراءة في الحالتين وهو مروي عن جابر وإليه ذهب أصحاب الرأي، وقال الحسن وأبو حنيفة رحمهما الله وحجتهم ظاهر هذه الآية لأنه لا يعدل عن الظاهر إلّا بمسوغ أقوى ولا يوجد، وإن القول الأول هو الحالة الوسطى وخير الأمور أوساطها، لأن الآية تدل على الأمر بالاستماع لقراءة القرآن، ودلّت السنة على وجوب القراءة خلف الإمام، فحملنا مدلول الآية على صلاة الجهر ومدلول السنة على صلاة السرّ جمعا بين دلائل الكتاب والسنة، وإذا أنعم النظر وأمعن الفكر وجد هذا القول أحسن الأقوال، فاتبعوه «لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 204» باقتضاء ما أمرتم به وابتعاد ما نهيتم عنه، وإن وجوب الاستماع هو سبب نزول هذه الآية لمناسبة السباق وموافقة السياق، وقيل نزلت في تحريم الكلام في الصلاة إذ كانوا يتكلمون فيها فمنعوا، وقيل إنها نزلت في ترك الجهر خلف الإمام إذ كانوا