ليس مختارا، لأن الله تعالى صرف الخطاب عن حبيبه محمد إلى نسم الذرية كافة لئلا يحتجوا بعد فيقولوا «وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ» لم نهتد إلى طريق التوحيد ورفض الشرك «أَفَتُهْلِكُنا» يا ربنا «بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ 113» أسلافنا وهذا الخطاب لجميع الخلق الموجودين ومن بعدهم ومن تقدمهم على طريق التغليب، أي فعلنا ما فعلنا من أخذ هذا العهد عليكم أيها الناس، لئلا يبقى لكم عذر، ولا يسعهم الاعتذار إذ ذاك، ولا تقبل لهم حجة لثبوت أخذه عليهم كلهم في الأزل ولأن الرسل المتتابعة ذكرتهم به فضلا عن أنه مما يتذكر به بمجرد العقل، لأن العاقل يفهم بادىء الرأي أن شيئا لا ينفع ولا يضر لا يستحق الاحترام والتعظيم فكيف يستحق العبادة، وان إلها قادرا على الإحياء والإماتة خالفا لهذه المكونات الذي هو من جملتها، هو المستحق للعبادة وحده، كيف وقد جبلت النفوس على حبّ النفع وكره الضر، فكيف لا يتيقظون لذلك؟ ولهذا قطع الله قبول عذرهم في هذه الآية التي ذكر بها رسوله محمدا وأخبره بهذا العهد المأخوذ من البشر فردا فردا، وخلاصة القول في كيفية هذا العهد على ما قاله الأنبارى من مذاهب أصحاب الحديث وغيرهم، وما استنبط من بعض الآيات والأحاديث وأقوال كبار العلماء، أن الله جلّت قدرته أخرج ذرية آدم من صلبه وأصلاب أولاده إلى يوم القيامة بعضهم من بعض بحسب ما يتوالد الأبناء عن الآباء، ولذلك لم يقل من ظهر آدم مع أن الذرية في الحقيقة كلها من ظهره، وإذا تنبهت إلى معنى قوله تعالى في الآية 98 من سورة الأنعام في ج 2، وهو جملة (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) عرفت ذلك بداهة كما سيأتي في تفسيرها. ثم أخذ عليهم الميثاق بأنه خالقهم وأنهم من مصنوعاته وحده، وأن لا رب لهم يستحق العبادة غيره، فاعترفوا بذلك وأذعنوا بعد أن ركب فيهم عقولا عرفوا بها ما عرض عليهم، وقبلوا ما كلّفوه، كما جعل للجبال عقولا خاطبهم بها، راجع تفسير الآية 10 من سورة سبأ والآية 11 من سورة فصلت والآية 68 من سورة النحل والآية 80 من سورة الأنبياء في ج 2 تعلم حقيقة هذا، إذ جعل الجماد والحيوان صالحا للخطاب بما ركب فيهما من عقل