نعم الله الذي جعلهم بعد الرق أحرارا وبعد الذل أعزاء وجعل منهم ملوكا وأنبياء بعد العبودية «بِما صَبَرُوا» اولا على الأذى والقتل والأسر، إعادة الله عليهم وذلك لأنهم انتظروا وعد نبيهم موسى عليه السلام بالفرج الذي مناهم به أربعين سنة، ولا شك أن الانتظار أشد من النار، قال تعالى «وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ» من البنايات العالية والقصور الشامخة في مصر وغيرها «وَما كانُوا يَعْرِشُونَ 137» من الكرم وغيره في الجنان، وجاز ضم راء يعرشون والكسر أفصح، وقد حصل هذا التدمير باغراقهم بالبحر وتركهم ديارهم وجناتهم وبالطوفان الذي أوقعه الله عليهم المنوه به في الآية 123 المارة، وهذا آخر ما قصه الله علينا في هذه السورة بما جرى بين فرعون وموسى، وانظر ما يقصه الله علينا مما أحدثه بنو إسرائيل بعد ألطاف الله عليهم التي يجب أن يقابلوها بالشكر، قال تعالى «وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ» بعد انجائهم منه وإغراق فرعون وقومه وخلفناه وراء ظهورهم وأمنوا من كيد فرعون وقومه الذي قطع أمعاءهم كما سيأتي في القصة مفصلا بالآية 53 من سورة الشعراء الآتية «فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ» قال قتادة هم طائفة من لخم كانوا نزولا على الرقة أي ساحل البحر لا الرقة التي على شاطىء الفرات من أعمال دير الزور، ولعلها سميت رقة لهذا السبب أيضا، وقال غيره هم الكنعانيون الذين أمر الله موسى بقتالهم ولما رأوهم «قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ» تماثيل من الأصنام وكانت على صورة البقر أي ليعبدوها مثلهم، قاتلهم الله استحسنوا عمل أولئك الكفرة وطلبوا مثله ولم وتجفّ أقدامهم بعد من انجائهم من البحر «قال» موسى زجرا لهم وتعجبا من حالهم وقولهم هذا بعد رؤية تلك الآيات التي خلصتهم من عبودية القبط وأهلكت أعداءهم دونهم على مرأى منهم، إذ كانوا في البحر جميعا، وصادف خروج آخر واحد منهم دخول آخر واحد من القبط فيه، ولما رأى عليه السلام طيشهم هذا «قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ 138» عظمة الله وقوة سلطانه ولا تقدرون نعمه، أتريدون أن تشركوا بالله وتكفروا نعمه بعد أن نجاكم