فمن جلس منهم غرق ومن بقي قائما نجا وبقي معذبا لا يقدر أن يستريح أو يتحرك من موضعه خشية الغرق، فقالوا يا موسى أدع لنا ربك لئن كشف عنا هذا آمنا بك وأرسلنا معك بني إسرائيل، فدعا ربه فرفعه عنهم وأنبت لهم الكلأ والزرع، وضاعف لهم الثمر بصورة لم يروها قبل، فكلفهم الإيفاء بوعدهم فأبوا وقالوا ما كان ذاك عذابا وإنما هو نعمة، ونكثوا عهدهم وازداد طغيانهم، فدعا عليهم بقوله يا رب إن عبدك فرعون علا في الأرض وبغى وطغى، وان قومه قد نكثوا العهد، رب فخذهم بعقوبة تجعلها عليهم نقمة ولقومي عظة ولمن بعدهم آية وعبرة، فبعث عليهم عذابا سادسا بينه بقوله «وَالْجَرادَ» المعروف فأكل زرعهم وثمارهم وثيابهم وسقوف دورهم، ولم يدخل دور بني إسرائيل، فضجوا إلى موسى وفزعوا لشدة ما حل بهم وأعطوه العهود والمواثيق بأنه إذا كشف عنهم هذا الضر يؤمنون به ويرسلون معه بني إسرائيل، فدعا ربه فكشفه بعد أن دام سبعة أيام وقبل أن يقضي على البقية الباقية من مواشيهم، فلما كشف عنهم، قالوا بقي لدينا ما يكفينا ما نحن بتاركي ديننا من أجلك ونكثوا عهودهم، فدعا عليهم فأرسل الله عذابا سابعا ذكره بقوله «وَالْقُمَّلَ» القمل المعروف وقيل هو الدّبى أولاد الجراد قبل نبات أجنحتها وقيل البراغيث أو كبار القراد أو السوس الذي يخرج من الحنطة والحشمان نوع من الجراد أو صغار الذر، وكان الحسن يقرأها بفتح القاف وسكون الميم بما يدل على أنه القمل، وبه قال عطاء الخراساني، فملأ طعامهم وشرابهم وآلمهم بقرحة وأكل منهم شعور رؤسهم وأهدابهم وحواجبهم، ولم يصيب بني إسرائيل شيء منه، فاشتد عليهم البلاء أكثر من ذي قبل، فعجوا إلى موسى واستغاثوا به ووثقوا إليه العهود وعظموا له الايمان بأنه إذا كشف عنهم هذه المرة يؤمنون ولا يعودون إلى الكفر ويرسلون معه بني إسرائيل، وذلك بعد أن دام عليهم سبعة أيام أيضا، فرق لهم موسى ورحمهم ودعا ربه، فكشف عنهم، فلم يبق منه واحدة، فقالوا ما كنا نوقن أنه ساحر مثل اليوم! كيف ذهب ما كنا نراه بكلمة واحدة، ونكثوا عهدهم، ونقضوا أيمانهم، فدعا عليهم، فأرسل عذابا ثامنا بينه بقوله