نعني غيرك لأنا أعلنا إيماننا بالله «رَبِّ مُوسى وَهارُونَ 122» زادوا هرون لئلا يتوهم أنه المقصود بذلك لأنه ربى موسى فأزالوا توهمه وأكدوا إليه إيمانهم بالله، وأن قصدهم برب موسى أنه هو الإله الذي لا رب غيره دون أي فزع وخوف «قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ» بالإيمان وآمركم به «إِنَّ هذا» الذي صنعتموه ودبرتموه بينكم «لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ» أنتم وموسى «فِي الْمَدِينَةِ» قاعدة مصر والإسكندية كما قيل أن الحادثة كانت فيها قبل خروجكم للمناظرة وقد عملتم هذه الحيلة «لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها» وهم القبط وتستولوا عليها أنتم وموسى وقومه، ولهذا لم تقدموا بما يكون فيه الغلب لنا عليه «فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ 123» عاقبة أمركم هذا، وما سأفعله بكم أنتم وموسى الذي أغواكم.
ساق لهم هذا الوعيد والتهديد بطريق الإجمال للتهويل وهو من بديع الكلام، ثم عقبه بالتفسير تفصيلا فقال وعزتي «لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ» اليد اليمنى مع الرجل اليسرى أو بالعكس «ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ 124» أنتم وموسى وهرون، تشهيرا بكم وتنكيلا لأمثالكم. قال ابن عباس: أول من صلب وأول من قطع الأيدي والأرجل مخالفة هو فرعون «قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ 125» عائدون إليه إذا فعلت ذلك بنا أو لم تفعله، وإنا لا نبالي بما تفعله بعد علمنا بأنا صائرون إلى الآخرة، وأن مردنا إلى الله، فلأن نأته مقتولين في سبيله أولى من أن نأتيه ميتين حتف أنفنا باقين على كفرنا. بارك الله فيهم فكأن قائلهم يقول:
ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي شق كان في الله مضجعي
ويقول أيضا:
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره ... تنوعت الأسباب والموت واحد
ويقول مهددا لفرعون:
إلى ديان يوم العرض نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم
ثم خاطبوه قائلين «وَما تَنْقِمُ مِنَّا» أي تكرهه وتطعن به علينا وتعيبنا