«لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا» ما دمت مناوئا لنا ولآلهتنا وعاداتنا «أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا» فتكون مثلنا تعمل ما نعمل وتترك ما أنت عليه، كلفوه عليه السلام اختيار أحد الأمرين مع أنه لم يكن على ملتهم قط حتى يكلفوه العودة إليها. ولكن الذين آمنوا به كانوا على ملتهم فخاطبوه تبعا لهم، وقال بعض المفسرين إنّ عاد بمعنى صار واستشهد بقول القائل:
فإن لم تك الأيام تحسن مرة ... اليّ فقد عادت لهن ذنوب
أي صارت وعليه يكون المعنى أو لتصيرنّ على ملتنا «قالَ» لهم شعيب عليه السلام على طريق الاستفهام الإنكاري «أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ 88» أي أتريدون أن نفعل أحد الأمرين كرها لأن الواو هنا للحال، وكأنهم قالوا له نعم كرها فقال عليه السلام «قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً» فيما وعظناكم به «إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ» الضالة المهلكة «بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها» واتضح لنا بطلانها وقد نظم نفسه في جملة المؤمنين مع أنه كان بريئا مما كانوا عليه لأن الكفر على الأنبياء محال، ولكنه تكلم بلسان قومه المؤمنين مجريا الكلام على حكم التغليب «وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها» وهي ملة الكفر ونترك الحق الذي نحن عليه «إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا» خذلاننا ومنعنا من الطاقة القدسية، فحينئذ يمضي فينا قضاؤه وقدره تنفيذا لسابق علمه، وهذا القول من شعيب على لسان قومه المؤمنين أيضا الذين لا يقدرون أن يردوا عليهم لضعفهم وهو من قبيل الاستسلام لمشيئة الله، لأن الأنبياء والكاملين دائما يخافون العاقبة وانقلاب الأمر لعلمهم ان الإله لا يقيد ولا يسأل عما يفعل، فإن العبد كلما ازداد قربا من ربه ازداد خوفا منه ومعرفة بعظمته. قال الخليل عليه السلام «وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ» الآية 35 من سورة ابراهيم في ج 2 وكان محمد صلّى الله عليه وسلم يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ومن المعلوم بداهة ان ابراهيم يجتنب الأصنام وان محمدا ثابت قلبه على دين ربه، وعليه يكون معنى الاستثناء: إلا أن يكون قد سبق في علمك ومشيئتك أن نعود فيها. يدل على هذا قوله «وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً» ت (25)