للاعتبار في مكونات الله، وهذا مثل ضربه الله تعالى هنا للمؤمن الذي يؤثر فيه الوعظ وينتفع فيه فهو كالأرض الطيبة تؤتي أكلها ضعفين، والكافر الذي لا ينجع فيه ولا يأتمر به فهو كالأرض الخبيثة فإنها تجحد البذر ولا ينفعها السقي والحرث كما لا ينفع الكافر الزجر والنهي، وبعد هذه الأمثال شرع جل شأنه يقص على رسوله حالة إخوانه الأنبياء الماضين مع أممهم ليسليه عما يراه من قومة فقال مقسمه «لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً» بن لمك بن منوشلخ بن أخنوخ بن إدريس عليهما السلام وكان نجارا، وبعث على كمال الخمسين من عمره ودعا قومه تسعمائة وخمسين سنة لم يترك فيها طريقا من طرق النصح إلا أتاهم به، وحذر وأنذر وسلك اللين والخشوع طيلة هذه المدّة، ولم يؤمن من قومه إلا بعض ذويه، وعاش بعد إغراق قومه ستين سنة، فيكون عمره ألفا وستين سنة، وقيل له يا أطول الأنبياء عمرا كيف رأيت الدنيا؟ قال دخلت من باب وخرجت من آخر وهو أول نبي عذّبه الله قومه وأول من قاسى أشدّ الهوان وأكبر الأذى في سبيل الدعوة إلى الله، ومع أنه عمر في الدنيا ما عمر فقد ذمها وصغرها وقصر شأنها والناس لم يتعظو فيتهالكوا عليها مع علمهم أن مصيرها الفناء «إِلى قَوْمِهِ» الذين هو
منهم مطلب قصة سيدنا نوح عليه السلام:
«فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ» وحده واتركوا هذه الأصنام فإنها ليس بآلهة «ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ» فلا تشركوا به شيئا «إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ إن أصررتم على ما أنتم عليه «عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ 95» في الدنيا، يريد به الطوفان الذي أعلمه الله به وفي الآخرة التعذيب بالنار، قال عليه السلام إني أخاف مع أنه على يقين من ذلك إذ أوحى له به ربه، إلا أنه لا يعلم وقت نزوله أيعاجلها به أم يتأخر «قالَ الْمَلَأُ» الأشراف أولو الحل والعقد «مِنْ قَوْمِهِ» يا نوح «إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ» عن طريق الصواب لأنك تدعونا إلى شيء لم نعرفه نحن ولا آباؤنا فزيفك هذا «مُبِينٍ 60» واضح لا خفاء فيه ردا على نصحه لهم وانما قالوا ذلك لأنه لما خوفهم بالطوفان رأوه يصنع السفينة في أرض لا ماء فيها، أي