الله حكاية عن قول الموحدين وهم في مقعد صدق (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ) فى حال الدنيا مع قولهم (المهتدي من اهتدى بنفسه) وانظر هداك الله ما تختاره فلا شك أنك تقول الله الهادي ولا تعدل عنه ابدا إذ لا يوازي قول الله قول. ثم شرع جل شرعه فيما يقع بينهما من المحادثة فقال: «وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ» وذلك بعد أن استقر كل بمكانه «أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا» على لسان رسله من النعيم المقيم «حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ» من العذاب المترتب على تكذيبكم رسلكم في الدنيا «حَقًّا قالُوا نَعَمْ» وجدناه حقا ومسنا ألمه «فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ» هو صاحب الصور إسرافيل عليه السلام أو غيره من الملائكة وما قيل أنه علي عليه السلام بعيد عن الصحة لعدم الدليل ولأنه كرم الله وجهه يكون إذ ذاك في حظائر القدس فكيف يكون مؤذنا في ذلك المقام فهو أكبر مقاما وأعز شأنا وأرفع مكانا وأعظم من ذلك وكيفية الأذان هي «أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ 44» إعلاما بسرور أهل الجنة وخزي أهل النار. واعلم أن «أَنْ» هذه والتي قبلها مخففتان من الثقيلة أو مفسرة لكيفية المناداة وهو الأصوب لأن المخففة يعقبها اللام وهو مفقود هنا. راجع آخر سورة القلم المارة، وقرأها بعضهم بالتشديد كما قرأ (نعم) بكسر العين، هذا، وأن الذين لعنهم الله هم «الَّذِينَ» كانوا «يَصُدُّونَ» الناس في الدنيا «عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» السوي «وَيَبْغُونَها» اي سبيل الله التي سنها لعباده من الحق والعدل السويين ويحاولون أن يجعلوها «عِوَجاً» مائلة الى الباطل فيبدلونها عما هي عليه. والعوج بالكسر يكون في الدين والطريق أي المذهب الذي يتدين به وما يدرك بفكر وبصيرة كالأرض البسيطة والمعاش، وبالفتح بالخلقة تقول في ساقه عوج وما يدرك بالبصر كالخشب المنتصب ونحوه راجع تفسير الآية الأولى من سورة الكهف في ج 2 «وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ 45» منكرون لانهم لم يصدقوا بوجودها حينما كانو في الدنيا ولا يقال كيف يسمع أهل النار وهم في الأرض نداء أهل الجنة وهم في السماء، لأن الله قادر ان يقوي أصوات اهل الجنة واسماع اهل النار ويصير البعيد