بالفاء لإفادتها الجمع على سبيل التعقيب. ولم يأت بالواو لإفادتها مطلق الجمع، والمفهوم في الفاء نوع داخل تحت المفهوم من الواو، ولا منافات بين النوع والجنس المفهوم من الواو، فذكر في هذه السورة النوع وسيذكر في البقرة في ج 3 في الآية 35 الجنس تأمل «وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ» ولا تدنوا منها أي لا تأكلوا.
فقد نهاهما عن جنس الشجرة، ولم يعينها لهما، فليس لنا أن نعينها، إذ لا طائل تحتها، لأن القصد امتثال الأمر بكف المأمور عما نهي عنه، لذلك حصل الاختلاف في نوعها، فمن قائل أنها الحنطة، ومن قائل أنها التين أو التفاح، والله أعلم بمراده فيها «فَتَكُونا» إذا أكلتما منها «مِنَ الظَّالِمِينَ 19» أنفسهم وتكونا قد فعلتما فعلا مخالفا لأمري مما هو خلاف الأولى والأفضل ولا شك أن هذا كان قبل النبوة وسيأتي أيضا ج هذه القضية في الآية 115 من طه الآتية «فَوَسْوَسَ لَهُمَا» له ولزوجته حواء «الشَّيْطانُ» بحديث مكرر مهموس ومطلي مزخرف ألقاه في قلبهما بقوة من الله تعالى يقذفها في قلب الموسوس له مثل الهواجس والخواطر التي تقضي إلى ما يقضي عنه في بني آدم، يؤيد هذا ما جاء في قوله صلّى الله عليه وسلم (إن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم) وهو محمول عن مزيد سلطانه عليهم وانقيادهم له، وهذا أحسن ما قيل في معنى إيصال الوسوسة من إبليس لآدم، مع إنه هبط إلى الأرض وآدم في الجنة، وما قيل إنه دخل جوف الجنة فأدخلته وقال لهما ما قال مما ذكره القصاص والأخباريون، فلا قيمة له. كما أن ما قيل إنه قام على بابها فكلمهما أو تمثل لهما بصورة دابة أو أرسل أتباعه إليهما وأتاهما بصورة طاووس من الجنة فكلمها أقاويل مجردة عن الدليل، وكذلك ما قيل إنه منع من دخول الجنة على جهة التقريب والتكريم لا على جهة الوسوسة ابتلاء لآدم وزوجته لا عبرة به أيضا وإنما تحرش بهما «لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما» ليكشف ما غطى وستر «مِنْ سَوْآتِهِما» سمي الفرج سوأة لاستياء الإنسان بظهوره.