لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ 35»
كثير العطاء غزير المن وهذا لا يقصد التفوق على غيره من الأنبياء لأن الملك يعطى للنبي وغيره بل يقصد المعجزة الخارقة للعادة لان ملكه إذا لم يكن بالغا المنتهى لم يكن معجزة خارقة وأنه عليه السلام أراد بدعوته هذه تخصيصه بشيء خاص كما خصص أباه من قبله بإلانة الحديد وغيرها ولم يكن حرصا على الدنيا والانغماسة فيها وانظر لقول المعري:
إذا عامرت في شرف مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير ... كطعم الموت في أمر عظيم
يرى الجبناء أن الجبن حزم ... وتلك خديعة الطبع اللئيم
وروى في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: ان عفربتا من الجن انفلت عليّ البارحة ليقطع عليّ صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه إلى سارية المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان (في الآية المارة) فرددته خاسئا، فيعلم من هذا أن الله تعالى أعطى حبيبه محمد صلّى الله عليه وسلم جميع معجزات الأنبياء أي في نوعها كلها وهو كذلك قال تعالى مجيبا لدعوته «فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً» لينة لا تزعج الراكب عليها فتعدمه الراحة إتماما للنعمة فتوصله «حَيْثُ أَصابَ 36» قعد وأراد في الامكنة التي يرومها دون انزعاج «و» سخرنا له أيضا «الشَّياطِينَ» جميعهم ثم خص منهم على طريق البدلية «كُلَّ بَنَّاءٍ» يبتون له ما يشاء من محاريب وقصور «وَ» سخرنا أيضا منهم «كلّ غَوَّاصٍ 37» ماهر في غوص البحار ليخرجوا له الدر واللؤلؤ وغيره «وَآخَرِينَ» من الجن المسخرين تركهم «مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ 38» والاغلال بالقيود والجوامع، ومنها الأغلال التي توضع بالأعناق، لان الجوامع لليدين والاغلال لها والرأس ويطلق الغل على العطاء لانه ارتباط للمنعم عليه قال علي كرم الله وجهه من برّك فقد أسرك، ومن جفاك فقد أطلقك، وقال غيره، غل يدا مطلقها وفك رقبة معتقها، قال أبو تمام:
هممي معلقة عليك رقابها ... مغلولة إن العطاء إسار