ويوسف وأيوب عليهم السلام لانهم لم ينقلوها من كتاب صحيح، ولم يتلقوها من ثقة. وإن الله تعالى لم ينص على شيء من ذلك ولا رسوله أخبر به، وقال الإمام فخر الدين الرازي: حاصل ما ذكره القصاص يرجع الى أمرين: السعي إلى قتل رجل مؤمن بغير حق، والطمع في أخذ زوجة ذات زوج، وكلاهما منكر عظيم، فلا يليق بعاقل أن يظن أبدا بداود عليه السلام أنه أقدم على ذلك، كيف وإن الله أثنى عليه قبل ذكر القصة المسطورة في القرآن وبعدها، مما يدل على استحالة ما نقله القصاصون
، وكيف يتوهم من له مسكة من عقل، أن يقع ذم بين مدحين في كلام الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، إذ لو وقع مثله بين كلام الناس لاستهجن، ولقال العقلاء للقائل أنت في مدح فكيف تذم من تمدح أثناء مدحك له؟
ومن المعلوم أن الأنبياء أنموذج البشر فلا يقع منهم إلا ما يكون قدوة لهم في الأخلاق والآداب لأنهم كاملون ولا يصدر من الكامل إلا الكامل، وقيل كلام الله ملك الكلام، ورأي العاقل عقل من الآثام. قال تعالى «يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً» عنا «فِي الْأَرْضِ» لتدبير أمر أهلها في معاشهم ومعادهم نيابة عنا وأعلم أن هذه الآية تشير إلى أن التوبة تمحو الذنب كما جاءت الآثار الصحيحة به وإلى أن حالة داود عليه السلام بعد التوبة كحالته قبلها فلم يتبدل أو يتغير عليه شيء من الله بدلالة قوله «فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ» الذي شرعته لك لتقوم به بينهم، وبما أوحيه إليك فيما تردد فيه «وَلا تَتَّبِعِ» منه في حكمك «الْهَوى» فنقض بما تراه نفسك لان اتباع هوى النفس لا يكاد يقع من معصوم مثلك، وهذا على سبيل الإرشاد لمقتضى الخلافة وتنبيه لغيره ممن يتولى القضاء بين الناس، ولان الحكم بغير ما شرعه الله غير مناسب لمقامه تعالى، ولهذا كان حضرة الرسول الأعظم عند ما يسأل عن شيء لم ينزل به الله قرآنا، يرجىء الجواب حتى يتلقى الوحي فيه خوفا من أن يفتي بغير مراد الله «فَيُضِلَّكَ» اتباع الهوى في القضاء وغيره «عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» طريقه السوي الذي سنه لعباده. ومما يدل على أن في هذه الآية تنبيه ولاة الأمور على الإطلاق من الوقوع في الخطأ والحكم بالرأي أو العلم قوله جل قوله «إِنَّ الَّذِينَ