لأنه لم يصرح بأنه كان ليلتئذ بمكة فالمراد أن الانشقاق كان والنبي صلّى الله عليه وسلم مقيم بمكة أي قبل الهجرة. ولهما عن ابن عباس قال: إن القمر انشق في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وروى مسلم عن ابن عمر قال: انشق القمر على عهد رسول الله فلقتين فستر الجبل فلقة وكانت فلقة فوق الجبل، فقال صلّى الله عليه وسلم: اشهدوا. وعن جبير بن مطعم قال: انشق القمر على عهد رسول الله فصار فلقتين فقالت قريش سحر محمد أعيننا فقال بعضهم لئن كان سحرنا أما يستطيع أن يسحر الناس كلهم؟ أخرجه الترمذي، وزاد غيره: فكانوا يتلقون الركبان فيخبرونهم بأنهم قد رأوه فيكذبونهم.
وروى مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله فقالت قريش سحركم ابن أبي كبشة فسألوا السفارة فقالوا نعم رأيناه. وقال مقاتل انشق ثم التأم. فهذه الأحاديث مصدق بعضها لبعض وكلها صحاح، قد وردت في هذه المعجزة العظيمة مع شهادة القرآن بها الذي هو أول دليل وأقوى شاهد مثبت لوقوعها، ولا يشكّ فيها مؤمن، وقد أخبر بها الصادق المصدوق، وناهيك باخباره من برهان، فيجب الاعتقاد بوقوعه والإيمان به، وذلك في السنة السادسة من البعثة ولا يقدح في صحة الحديثين المرويين عن ابن عباس وأنس كونهما لم يولدا إذ ذاك لأنهما ثقتان ولا ينقلان إلا عن ثقة كما هو المشهور عنهما وأنهما لم يقولا رأيناه انشق ليقدح في رؤيتهما وإنما يخبران عن الانشقاق الذي بلغهم عن رسول الله وهما أصدق صادق فيما يخبران به، ولا يقال لو كان لما خفي على أهل الأقطار الأخر ولو رأوه لنقلوه متواترا لأن الطباع جبلت على نشر العجائب، إذ يجوز ان الله حجبه عنهم بغيم أو نحوه ولا سيما أنه وقع ليلا حال غفلة الناس لقلة من يتفكر في ملكوت السموات، وكثيرا ما يخسف القمر وتكسف الشمس ويحدث في السماء ليلا من العجائب والبدائع والأنوار والطوالع والشهب العظام، ولا يتحدث بها إلا آحاد الناس لغفلة الآخرين عنها، ولأنها قد تكون في موضع آخر، وكثيرا ما نقرأ الآن في الصحف على سبيل التواتر أن الشمس كسفت في محل كذا والقمر خسف في مكان كذا، ولم نر شيئا من ذلك في بلادنا، تأمل على أن الركبان