ورب الطارق، ورب الشمس، ورب القمر، ورب التين، وهكذا. ثم نوه جلّ شأنه بعظم هذا النجم على سبيل الاستفهام الدال على التفخيم فقال «وَما أَدْراكَ» أيها الإنسان الكامل «مَا الطَّارِقُ 2» الذي أقسمنا به، هو «النَّجْمُ الثَّاقِبُ 3» في إضاءته وإنارته المتوهج المتوقد الذي يتقد سناه في الظلام، وسبب نزول هذه السورة هو ان أبا طالب جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأتحفه بخبز ولبن، فبينما هو يأكل إذ انحط نجم فامتلأ ماء ثم نارا ففزع أبو طالب وقال أي شيء هذا؟ فقال صلّى الله عليه وسلم هذا نجم رمى به وهو آية من آيات الله فعجب أبو طالب ونزلت، وجواب القسم «إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ 4» من ربها موكل بحفظها من الآفات ويحفظ عليها عملها ويحصيه ويهيء لها رزقها إلى بلوغ أجلها، وإن في صدر الآية نافية بمعنى إلا أي ما كل نفس الا عليها حافظ وقرنت لما بالتخفيف وعليه تكون ان مخففة من الثقيلة، واللام في لما اللام الفارقة بين ان النافية وان المخففة من الثقيلة، وما للتأكيد وعليه يكون المعنى أن كل نفس لعليها حافظ، وكلاهما جائز، والأول أحسن وأبلغ وعليها المصاحف. قال تعالى «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ» الذي يرى نفسه كبيرا ويتعظم بقوته على غيره، وفي هذه الآية إشارة إلى أبي الأشد المار ذكره في السورة السابقة، وهذا من جملة المناسبات التي قد تأتي بين السور، وهكذا قد يكون بين كل سورة والتي تليها مناسبة على ترتيب النزول، وقد يكون أيضا على ترتيب المصاحف، أي فليتفكر ذلك الإنسان المعجب بقوته «مِمَّ خُلِقَ 5» أخفى مادة خلقه لكونها لا شيء، ثم صرح بها بقوله «خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ 6» الدفق صب مع دفع أي مصبوب بشدة في الرحم لعظم ما ينتج عنه من هذا الإنسان المنطوي على كمالات لا تعد ولا تحصى ثم بيّن منبع ذلك الماء بقوله «يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ» من الرجل و «التَّرائِبِ 7» من المرأة وإنما خصّ هذين الموضعين وهو في الأصل يخرج من جميع الأعضاء لأن أكثره من الدماغ فينصب في عروق الظهر من الرجل، وينزل من عروق كثيرة من مقدم المرأة، فيما بين الثديين. ولهذا قال من بين الصلب وهو عظام الظهر: (وليراجع في