لهم وينكرونكم أيضا، وهذا نهاية في التوبيخ وغاية في التقريع لأن ذلك اليوم تنقطع فيه الحيل والأعذار ولهذا عقب هاتين الآيتين بقوله «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ 40» بعدل الله فيه، ولما انتهى جل جلاله من بيان مآل حال الكفرة في هذه السورة
شرع يبين ما للمؤمنين عنده فقال «إِنَّ الْمُتَّقِينَ» الإنكار والجحود والتكذيب بما تقدم يكونون يوم القيامة «فِي ظِلالٍ» عند ربهم يظلهم بها يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله، وهذا بمقابلة قوله للكافرين «ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ» وضد الظّل الضحّ وهو أعم من الفيء لأنه يقال لظل الليل وظل الجنة وكل موضع لم تصل إليه ظل ولا يقال الفيء إلا لما زاحت عنه الشمس ويعبر بالظل عن الرفاهية والمعزة والمناعة «وَعُيُونٍ 41» من ماء جارية في جنة عالية بدلالة قوله «وَفَواكِهَ» في تلك الجنة ذات الظلال الوافرة «مِمَّا يَشْتَهُونَ 42» من أنواعها وأصنافها يتلذذون بثمارها وتقول لهم الملائكة «كُلُوا وَاشْرَبُوا» من هذه النعم المتنوعة «هَنِيئاً» لكم ومريئا «بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 43» في الدنيا من العبادات والخيرات، ونظير هذه الجملة في الآية 45 من سورة الأعراف الآتية والآية 32 من سورة النحل في ج 2 «إِنَّا كَذلِكَ» بمثل هذا الجزاء «نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 44» لأنفسهم وغيرهم في هذا اليوم جزاء إحسانهم في الدنيا «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ 45» بما وعدنا المؤمنين، وهلاك وخسران وحسرة لحرمانهم من هذا النعيم الدائم وتعذيهم بما أوعدناهم به ويقال لهم أيضا «كُلُوا وَتَمَتَّعُوا» أيها الكفار من هذه الدنيا الفانية «قَلِيلًا» لأنها مهما طال أمرها فهي قليلة بالنسبة للآخرة «إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ 46» والمجرم يستحق العذاب والعقاب وقول كلوا وإن كان ظاهره أمرا فهو في المعنى نهي بليغ على حد قوله تعالى «اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ» الآية 67 من سورة فصلّت في ج 2، ففيه زجر عظيم لانهماكهم في الدنيا وانكبابهم على شهواتهم وإعراضهم عن الآخرة ونبذها وراءهم «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ 47» بهذه النعم الدائمة التي غرتهم الدنيا الفانية بزخارفها البالية فأبعدتهم عنها «وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا» لله واخضعوا لعظمته وتواضعوا لجلاله «لا يَرْكَعُونَ 48» أنفة واستكبارا.