ولم ينزل بعدها إلا آية: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) عدد 281 من البقرة في ج 3 البتة، وكان نزولها في المدينة، قبل وفاته صلّى الله عليه وسلم بواحد وعشرين يوما، كما سيأتي بيان هذا في تفسير هذه الآية في القسم المدني إنشاء الله، فتكون مدة نزوله اثنتين وعشرين سنة وشهرين واثنين وعشرين يوما، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله: (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) الآية 41 في سورة الأنفال في ج 3، فيوم نزول الفرقان يوم الجمعة في 17 أو 27 رمضان سنة 41 من ميلاده عليه السلام ويوم التقاء الجمعين ببدر يوم الجمعة في 17 رمضان سنة 54 منه، فاليومان متحدان في الوصف في اليوم والشهر، كما سيأتي بيانه في سورة الأنفال المذكورة، ويدل على هذا ما رواه الطبري، عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، قال: كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان لسبع عشرة من شهر رمضان، وقد ملت إلى هذا القول لإشارة القرآن العظيم إليه في أحسن موقع حيث تكلم فيه عن غنائم بدر في اليوم الذي أعزّ الله به الإسلام وأراهم عجائب نصره وفي مثله شرف الله نبيه بالرسالة لأن هذه الليلة المبينة في السورتين المذكورتين آنفا على جلالة قدرها ورفعة شأنها لا بد وان يشير القرآن إلى تعيينها ولو بالاشارة، ويؤيد هذا ما قاله الطبري في تأويل قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) الآية المارة بأنه يوم عرفة عام حجة الوداع ولم ينزل بعدها شيء من الفرائض والأوامر والنواهي، ولا من التحليل والتحريم، ولم يعش بعدها صلّى الله عليه وسلم إلا إحدى وثمانين ليلة رواه السدي وابن جريح عن ابن عباس وروى النيسابوري في تفسيره عن ابن عباس أنه قرأ هذه الآية وعنده يهودي فقال لو نزلت علينا هذه في يوم لا تخذناه عيدا، فقال ابن عباس: إنها نزلت في عيدين اتفقا في يوم واحد يوم جمعه وافق يوم عرفة، وذكرنا آنفا أنه نزل بعدها آية: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) ، ولا منافاة لأن هذه لا تحليل وتحريم فيها تدبر.
وليعلم أن القرآن نزل في مكانين ومدتين.