خصّ هذه العظام لأنها قوالب النفوس، ولا يستوي الخلق إلا باستوائها، وخص رؤوس الأصابع لأنها سلامات صغار كثيرة لطيفة، ومهما كانت الدقة فإنه جل شأنه، يعيدها لأماكنها، ويؤلفها كما كانت، فإعادة كبار العظام القوية الظاهرة من باب أولى، لأن القادر على الإبداء إبداعا، قادر على الإعادة اتباعا، وهو قادر عليه، وله المثل الأعلى. فانظر هداك الله قبل رقي علم التشريح، هل يوجد أحد يعلم أن أقوى شيء درّاك في الإنسان هو أنامله، التي هي جواسيس الدماغ وانها أدق جوارح الإنسان وأهمها، وإن البشر عاجز عن تركيبها كما كانت، إذا اعتراها ما يوهنها، وان الخطوط التي في رؤوسها لا يشبه بعضها بعضا أبدا، ولهذا اختاروا التوقيع بها بدلا من الختم لأنه يقلد، وهذه لا تقلد، ولهذا ولأمر لا نعرفه ذكرنا الله بها، واعلم أن للانسان ثلاثمائة وستين مفصلا، كل واحد منها يسمى سلامى، وقال صلّى الله عليه وسلم: كل سلامى من الناس عليه صدقة، وفيه تعدل بين اثنين صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة، رواه البخاري ومسلم، فكما أن الله تعالى تصدق بتلك السلامات على عباده فينبغي للعبد أن يتصدق بما استطاع على سبيل الشكر لله تعالى، على عدد مفاصله التي مكنه منها، وتمكّن بسببها من القبض والبسط والمد، واستخدمها بمنافعه ليدفع عنه حدوث البلاء، لأن الصدقة تدفعه وتزيد في العمر، وتمام الحديث: (كل يوم تطلع فيه الشمس) ، أي إن استطاع التصدق كل يوم فليفعل، وفيه وتعين الرجل في دابته فتحمل عليها، وترفع له عليها متاعه صدقة، لأنك إذا لم تفعل ذلك تأخر أخوك المسلم لعدم قدرته بنفسه أن يفعل ذلك، وفيه الكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة أي فمن لم يجد ما ينفق شاكرا على هذا فليفعل ما جاء في هذا الحديث فذلك بمعاملة الصدق بالمال وسبب نزول هذه الآية ان عديا بن ربيعة أو أبا جهل جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال له يا محمد حدثني عن القيامة وكيف أمرها وحالها فأخبره صلّى الله عليه وسلم فقال لو عاينت ذلك لم أصدقك ولم أو من بك فأنزل الله هذه الآية قال تعالى (بَلْ) إضراب وانتقال من معنى لآخر (يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ 5) بأن