وجواز الكذب للمصلحة لأن الغلام كان يتأخر عند الراهب ويقول للساحر تأخرت عند أهلي، ويقول لأهله تأخرت عند الساحر وفي رواية ابن عباس أن الملك كان بنجران من ملوك حمير يقال له يوسف ذو نواس بن شرحبيل في الفترة قبل مولد النبي صلّى الله عليه وسلم بسبعين سنة وكان الغلام اسمه عبد الله ابن ثامر، وكان أبوه أسلمه إلى الساحر ليعلمه وصار يتردد على الراهب وذكر الحديث، وذكر منبّه نحوه، وقال محمد بن اسحق عن عبد الله بن أبي بكر أن خربة احتفرت في زمن عمر فوجدوا فيها عبد الله بن ثامر واضعا يده على ضربته في رأسه إذا أميطت عنها انبعثت دما وإذا تركت ارتدت مكانها، وفي يده خاتم حديد مكتوب عليه ربي الله فأعادوا عليه حفرته وما ذلك على الله بعزيز. قال تعالى «النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ 5» بدل من الأخدود ووصفها تعظيما لأمرها وارتفاع لهيبها من الحطب وأجساد الناس «إِذْ هُمْ» الكفرة عونة الملك المأمورون بإلقاء من لم يرجع عن دين الغلام «عَلَيْها» أي الأخدود «قُعُودٌ 6» على شفريها لئلا ينفلت منهم أحد «وَهُمْ» الكفرة المذكورون «عَلى ما يَفْعَلُونَ» من التعذيب والإلقاء «بِالْمُؤْمِنِينَ» الممتنعين عن الكفر «شُهُودٌ» بأنهم لم يفرطوا بما أمرهم به الملك ويشهد بعضهم لبعض بعدم التقصير في تنفيذ أمره «وَما نَقَمُوا» عابوا وكرهوا «مِنْهُمْ» أي المصرين على دين الغلام شيئا ما «إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا» أي غير إيمانهم «بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ 8» وهذا استثناء مفصح عن براءتهم مما يعاب وينكر وينتقد على منهاج قولهم:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
(الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وما بينهما وما فيهما، وصف الله نفسه المقدسة بكونه عزيزا قادرا غالبا يخشى عقابه وحميدا شكورا منعما يرجى ثوابه، وبأن له عموم الخلق ملكا وعبيدا ومن كان كذلك وجبت طاعته والإيمان برسله وكتبه (وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 9) بما فعلوه بالمؤمنين وفيه تهديد ووعيد للكافرين وأمان ووعد للمؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) وأرادوهم على تغيير دينهم وعذبوهم على امتناعهم في الكفر بالأنبياء (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) حال