والثالث: ان غالب الخطاب في المكي ب (يا أَيُّهَا النَّاسُ) وفي المدني ب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بل لا يوجد في المكي (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) البتة رغم انها مكررة بالقرآن بما يقارب التسعين مرة ويوجد في المدني (يا أَيُّهَا النَّاسُ) إذ بدأت سورة النساء بها وجاء فيها: (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ) (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) الآيتين 169 و 173 منها وفيها ايضا: (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) الآية 132 وبدأ بها ايضا سورة الحج (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) وفيها ايضا (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) الآية، ويا (أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ) الآية 73 وجاء في سورة الحجرات (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ) الآية 13 وفي سورة البقرة (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ... ، يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ) الآيتين 27 و 168 وكلها مدنيات سنأتي على ذكرها في ج 3 وقد كررت ما يقارب العشرين مرة.
الرابع عدم وجود شيء من التشريع التفصيلي في المكي، ومعظم ما فيه يرجع الى المقصد الاول في امر الدّين، وهو التوحيد، واقامة البراهين على وجود الله والبعث، والتحذير من العذاب، ووصف الجنة ونعيمها، والقيامة وأهوالها، والنار وعذابها، والحث على مكارم الأخلاق، وضرب الأمثال مما أصاب الأقدمين لمخالفتهم أنبيائهم وجرأتهم على أذاهم، ومعظم التشريع التفصيلي في المدني. ثم اعلم ان مقاصد القرآن ثلاثة:
الاول ما يتعلق بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وهو مباحث علم الكلام واصول الدين.
الثاني ما يتعلق بافعال القلوب والملكات في الحث على مكارم الأخلاق، وهو مباحث علم الآداب والإحسان.
الثالث ما يتعلق بافعال الجوارح في الأوامر والنواهي، وهو مباحث علم الفقه والمعاملات، إذا يعلن هذا القرآن العظيم انه إنما أنزل لاصلاح البشر مصرحا على لسان المنزل عليه بقوله جل قوله: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) الآية 135 في سورة الأعراف الآتية وعليه فانه جامع لكل خير مانع لكل شر.