بقربها «جَنَّةُ الْمَأْوى 15» التي تأوى إليها أرواح الشهداء في الدنيا والمتقون أجمع في الآخرة «إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ 16» من تكبير وتعظيم وتهليل وتمجيد من الخلائق المختلفة الدالة على عظمة الخالق مما لا يحيط به الوصف ولا تسعه الأذهان ويعجز عنه النطق به كل لسان «ما زاغَ الْبَصَرُ» من محمد ولا حال عن رؤية ومشاهدة العجائب التي أبدعها المبدع وأمر رسوله برؤيتها حينما عرضها عليه ومكنه من رؤيتها في تلك الحضرة المقدسة لا يمينا ولا شمالا وهو غاية في أدبه صلّى الله عليه وسلم في ذلك المقام الجليل إذ لم يلتفت اليه وهذا يؤيد كون الذي يغشى السدرة هو نور رب العزة لا الملائكة ولا الفراش الذهبي ولا أنواع المخلوقات وان نظر الرسول ما حال دون رؤية ربه عز وجل بصعقة أو غشية كما حصل لموسي وابراهيم عليهما وعليه أفضل الصلاة السلام. وقد ثبت في ذلك المقام الذي تحار به العقول وتزل به الأقدام وتشخص فيه الابصار، ولهذا فقد وصفه ربه بالقوة والسكينة في ذلك المقام بقوله جل قوله «ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى 17» أي ما جاوز بصره غير ما أمر بالنظر اليه وهو المعنى بقوله مقسما «لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى 18» التي هي أكبر آية وأعظمها وأجلها وهي رؤية ذاته المقدسة التي لا يضاهيها آية وتصغر دونها كل آية قال الأبوصيري:
أرآى من الآيات أكبر آية ... ما زاغ حاشا أن يزيغ المبرأ
قال ابن عباس رضي الله عنهما رآه بفؤاده وقال الحسن وأنس وعكرمة رآه بعينه حقيقة وسنذكر ما جاء في الأحاديث الواردة بالرؤية القلبية والعينية هنا وما جاء في حق جبريل أيضا، روي عن مسروق أنه قال قلت لعائشة يا أماه هل رأى محمد ربه؟ فقالت لقد قفّ شعري (أي قام من الفزع مثل اقشعر جلدي واشمأزت نفسي عند سماع مالا ينبغي) مما قلت أين أنت من ثلاث من حدثكهن بها فقد كذب، من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت لا تدركه الأبصار الآية 102 من الانعام في ج 2 وقرأت (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) الآية 56 من سورة الشورى في ج 2 أيضا، ومن