أما من ينساه عن ظهر الغيب ويقرأه في المصحف فلا يشمله وعليه أن يحتفظ بالقرآن في بيته تبركا، وإن كان وعاه عن ظهر الغيب، وان يقرأه فيه لأن النظر اليه عباده على حدة دون عبادة القراءة، وله أن يسافر به مع المحافظة عليه، على أن لا يضع شيئا عليه إلا لأجل حفظه، وأن لا يمسه إلا طاهرا اتباعا للأمر فيه، ويجب أن لا يسافر به الى محل يخاف عليه التلف أو الإهانة، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر قال: لا تسافروا بالقرآن الى أرض العدو مخافة أن ينال بسوء، ومن ذلك السفر به إلى من يلمسه بغير وضوء أو يتهاون به، قال تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) الآية 79 من سورة الواقعة الآتية. ولهذا بحث سنثبته في محله إن شاء الله.
المطلب السابع في التشريع في نهج القرآن ومفاصده ومميزات مكيه ومدنيه
اعلم رعاك الله، ان الله عز وجل، راعى في تشريعه على عباده أمورا ثلاثة رحمة بهم وعطفا عليهم.
الأول: عدم الحرج أي الضيق، قال تعالى (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) ، الآية 156 من الأعراف الآتية، وقال جل شأنه (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ الآية) 185 من البقرة في ج 3، وقال فيها أيضا (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) الآية الاخيرة منها، وقال أيضا في صدر هذه الآية (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) وقال (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الآية 78 من سورة الحج في ج 3، وقال (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) الآية 27 من سورة النساء، وقال (ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) الآية 7 من المائدة في ج 3، أيضا وقال صلّى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السمحة، وكان صلّى الله عليه وسلم ما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، ولذلك شرعت الرخص كالفطر للمسافر وإباحة بعض المحرمات عند الضرورة، والتيمم والمسح في الوضوء والصلاة، وشرب الخمر عند التهديد بالقتل.