الصمد الصلب الذي ليس فيه رطوبة ولا رخاوة، وهذه من صفات الأجسام تعالى الله عنها، ووجهه على هذا أن الصمد الذي لا يأكل ولا يشرب وهو الغني عن كل شيء فعلى هذا الاعتبار يكون أيضا من صفات الكمال، والقصد من قوله الصمد التنبيه على أنه تعالى بخلاف من أثبتوا، له الإلهية واليه الإشارة بقوله (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) الآية 75 من سورة المائدة في ج 3، وقالوا الصمد الذي ليس بأجوف شيئان أحدهما دون الإنسان وأسفل منه وهو سائر الجمادات الصلبة، والثاني أشرف من الإنسان وأعلى وأكمل منه وهو الباري جل جلاله، وقال أبيّ ابن كعب هو الذي «لَمْ يَلِدْ» أحدا «وَلَمْ يُولَدْ» منه أحد، وفيه رد على قول العرب القائلين أن الملائكة بنات الله، وعلى اليهود القائلين أن عزيرا ابن الله وعلى النصارى القائلين ان المسيح ابن الله، راجع تفسير الآية 27 من سورة التوبة في ج 3 تر تكذيب زعمهم وافترائهم. هذا إذ قالوا، ومن المعلوم أنه إذا لم يكن له ولد ينفى عنه اسم الوالد والصاحبة، لأن الولد يكون منهما أو من أحدهما كآدم وحواء والمسيح، والله تعالى هو الأول الذي لم يتقدمه والد والآخر الذي لا يتفزع عنه ولد ومن كان كذلك صح أن يقال «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ 3» يكافئه في كونه لأن كل ما فيه خلقه ولن يكافيء المخلوق خالقه قال تعالى «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» الآية 11 من سورة الشورى في ج 2، ولا يخفى أنه ليس شيء يولد إلا سيموت وليس شيء يموت إلا سيورث والله جل شأنه لا يموت ولا يورث فلا يعوله أو يضاهيه أحد من خلقه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى عز وجل كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وإني أنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. وقد جاء في فضل
هذه السورة وتلاوتها