تفسير سورة الليل عدد 9 و 92
نزلت بمكة بعد الأعلى وهي إحدى وعشرون آية، وإحدى وسبعون كلمة وثلاثمائة وعشرة أحرف، لا ناسخ ولا منسوخ فيها، ولا يوجد في القرآن سورة مبدوءه بما بدئت به ولا مختومة بما ختمت به ولا مثلها في عدد الآي.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى مقسما عزّ قسمه: (وَاللَّيْلِ) الذي هو سكن يأوى فيه جلّ الحيوان إلى مأواه. واعلم أنه لا يقال كيف يقسم الله بخلقه وقد نهى رسوله عن الحلف بغيره لأن القسم يكون مما يعظمه المقسم ولا يجوز تعظيم غيره بالحلف لأن القسم بمصنوعاته يستلزم القسم به ولهذا قال بعضهم في القسم حذف مضاف أي ورب الليل، ورب القمر، وهكذا على أن الله تعالى له أن يقسم بما شاء من خلقه، وليس لعباده أن يقسموا، الآية، وقد أقسم بحضرة رسوله «بقوله لَعَمْرُكَ» الآية 72 من سورة الحجر في ج 2، ليعرف الناس عظمته ومكانته عنده، وهو لا يسأل عما يفعل «إِذا يَغْشى 1» النهار بظلمته، ويغطي نور الشمس «وَالنَّهارِ» واقسم به لأن جل الحيوان يسعى فيه لطلب رزقه، وإنما قلنا جل الحيوان لأنه يوجد حيوانات وحشرات على خلاف ذلك «إِذا تَجَلَّى 2» بان وظهر بزوال ظلمة الليل، وظهور نور الشمس.
مطلب في أنواع الخلق:
«وَما خَلَقَ» ، ثم أقسم بخلقه «لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ» يقسم بما شاء من مخلوقاته تعظيما لشأنها عندهم لمنافعها الخطيرة، ثم بين ما أبهم بقوله «الذَّكَرَ وَالْأُنْثى 3» من حيوان ونبات وطير وحوت. وقد أخطأ من جعل (ما) بمعنى من إذ يكون المعنى أقسم بنفسه جلت نفسه، لأن سياق الآيات ينافي ذلك، ويرجح ما جريت عليه فضلا عن أن ما تأتي غالبا لغير العاقل، والأولى إجراء الآية على عمومها.
وخص بعض المفسرين «الذَّكَرَ وَالْأُنْثى» بآدم وحواء عليهما السلام، وقال: إنما أقسم بهما لأنهما ابتداء خلقه، وإذا كان أقسم بالشمس والضحى وغيرهما، فلأن يقسم بأول