وقد ذكرنا أن هذه السورة أول سورة نزلت بعد فترة الوحي لانه بدأ بأول العلق ثم بسورة القلم ثم المزمل عدا الآيات المستثنيات منها كما أشرنا إليها في مواضعها، ثم فتر الوحي ثلاث سنين أو ثلاثين شهرا على اختلاف في ذلك لم ينزل فيها على النبي شيء من القرآن، ولم يتل على الناس غير السور الثلاث المذكورات، ولم يدعهم إلى شيء، ثم نزلت المدثر كما ذكرناه في حديث جابر المتقدم في مطلب فترة الوحي المارّ الذي رواه الشيخان إذ قال فيه: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي) ويدل أيضا قوله فيه: (فإذا الملك الذي جاء بحراء) وتقدم تفصيله هناك، وعقبه بقوله وأنزل الله يا أيها المدثر.
هذا، ومن قال إن المدثر أول سورة نزلت أراد أنه بعد فترة الوحي أولية اضافية لا مطلقة، ومن أراد الأولية المطلقة لا برهان له بها، وقد صرح الزهري بضعفه وعدم الاعتداد به، وقد وقعت فترات أخرى كالفترة التي وقعت بعد سورة الفجر وهي خمسة عشر يوما، وقد ظن البعض وتبعهم (درمنغام) المار ذكره في المقدمة، في بحث الشهادة في مدح الكتب الأربعة في مطلب الناسخ والمنسوخ
مطلب أول سورة نزلت وفترة الوحي وسببها
إن الضحى نزلت بعد فترة الوحي وهي أول ما نزل والحال قد نزل قبلها بضع سور كما ستعلم، وان الذي نزل أولا هو المدثر كما ذكرنا.
وسبب الفترة الأولى هو تحريك قوى الرسول الى اشتياق نسمات الوحي القدسية، فيذهب عنه ما كان يجده من الرعب والخوف، ويتلقّى الوحي بقبول وشوق وتعطش وانشراح صدر، وأ تزداد رغبته فيه.
وأما الفترة الثانية فقد جاء في الصحيحين عن جندب بن سليمان، أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى (توجع) فلم يقم ليلتين أو ثلاثا الى تهجده وتلاوته فقالت امرأة: (هي أم جميل بنت أبي سفيان زوجة أبي لهب) يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، فلم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث، فأنزل الله «وَالضُّحى» كما رواه الحاكم عن زيد بن أرقم أيضا. وكان هذا بعد نزول «تَبَّتْ يَدا» . وروى ابن