{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [1] {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} [2] {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ} [3] {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [4] {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} [5] {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [6].
لا نقول: إن العلم بأسماء بعض الأنبياء والأمم الماضية وبمجمل ما جرى من حوادث التدمير في ديار عاد وثمود وطوفان نوح وأشباه ذلك لم يصل قط إلى الأميين؛ فإن هذه النتف اليسيرة قلما تعزب عن أحد من أهل البدو أو الحضر؛ لأنها مما توارثته الأجيال وسارت به الأمثال، وإنما الشأن في تلك التفاصيل الدقيقة والكنوز المدفونة في بطون الكتب، فذلك هو العلم النفيس الذي لم تنله يد الأميين، ولم يكن يعرفه إلا القليل من الدراسين، وإنك لتجد الصحيح المفيد من هذه الأخبار محررًا في القرآن.
حتى الأرقام.. طبق الأرقام: فترى مثلًا في قصة نوح -عليه السلام- في القرآن أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا. وفي سفر التكوين من التوراة أنه عاش تسعمائة وخمسين سنة. وترى في قصة أصحاب الكهف عند أهل الكتاب أنهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة شمسية. وفي القرآن أنهم لبثوا في كهفهم "ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا" وهذا السنون التسع هي فرق مابين عدد السنين الشمسية والقمرية. قاله الزجاج يعني بتكميل الكسر. فانظر إلى هذا الحساب الدقيق في أمة أمية لا تكتب ولا تحسب.
كفاك بالعلم في الأمي معجزة ... في الجاهلية والتأديب في اليتم
نعم؛ إنها لعجيبة حقًّا: رجل أمي بين أظهر قوم أميين، يحضر مشاهدهم -في غير الباطل والفجور- ويعيش معيشتهم مشغولًا برزق نفسه وزوجه وأولاده، راعيًا بالأجر، أو تاجرًا بالأجر، لا صلة له بالعلم والعلماء؛ يقضي في هذا المستوى أكثر من [1] سورة آل عمران: الآية 44. [2] سورة يوسف: الآية 102. [3] سورة القصص: الآية 44 وما بعدها. [4] سورة العنكبوت: الآية 48. [5] سورة هود: الآية 49. [6] سورة يوسف: الآية 3.