سبحانه، لكنه -من حيث هو كلام- حري بأن ينسب إلى الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأن الكلام إنما ينسب إلى واضعه وقائله الذي ألفه على نحو خاص ولو كان ما فيه من المعنى قد تواردت عليه الخواطر وتلقاه الآخر عن الأول. فالحديث النبوي إذًا خارج بقسميه من القيد الأول[1] في هذا التعريف.
وكذلك الحديث القدسي إن قلنا: إنه منزل بمعناه فقط، وهذا هو أظهر القولين فيه عندنا؛ لأنه لو كان منزلًا بلفظه لكان له من الحرمة والقدسية في نظر الشرع ما للنظم القرآني، إذ لا وجه للتفرقة بين لفظين منزلين من عند الله. فكان من لوازم ذلك وجوب المحافظة على نصوصه، وعدم جواز روايته بالمعنى إجماعًا: وحرمة مس المحدث لصحيفته. ولا قائل بذلك كله. وأيضًا فإن القرآن لما كان مقصودًا منه مع العمل بمضمونه شيء آخر وهو التحدي بأسلوبه والتعبد بتلاوته احتيج لإنزال لفظه، والحديث القدسي لم ينزل للتحدي ولا للتعبد بل لمجرد العمل بما فيه وهذة الفائدة تحصل بإنزال معناه، فالقول بإنزال لفظه قول بشيء لا داعي في النظر إليه، ولا دليل في الشرع عليه، اللهم إلا ما قد يلوح من إسناد الحديث القدسي إلى الله بصيغة "يقول الله تبارك وتعالى كذا" لكن القرائن التي ذكرناها آنفًا كافية في إفساح المجال لتأويله بأن المقصود نسبة مضمونه لا نسبة ألفاظه، وهذا تأويل شائع في العربية. فإنك تقول حينما تنثر بيتًا من الشعر: "يقول الشاعر كذا" وعلى هذه القاعدة حكى الله تعالى عن موسى وفرعون وغيرهما مضمون كلامهم بألفاظ وأسلوب غير أسلوبهم، ونسب ذلك إليهم.
فإن زعمت أنه لو لم يكن في الحديث القدسي شيء آخر مقدس وراء المعنى لصح لنا أن نسمي بعض الحديث النبوي قدسيًّا أيضًا، لوجود هذا المعنى فيه. فجوابه: أننا لما [1] وهو كونُ الكلامِ كلامَ الله.