responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : النبأ العظيم المؤلف : دراز، محمد بن عبد الله    الجزء : 1  صفحة : 142
العلمية، لكن النظر ها هنا في قيمة البيان لا في قيمة المبين فلا تعجل علينا بتلك النظرة العلمية حتى نفرغ من هذه النظرة اللغوية.
والآن فلنبدأ وصفنا لبعض خصائص القرآن البيانية، ولنرتبها على أربع مراتب:
1- القرآن في قطعة قطعة[1] منه.
2- القرآن في سورة سورة منه.
3- القرآن فيما بين بعض السور وبعض.
4- القرآن في جملته.

[1] نريد منها ما يؤدي معنًى تامًّا، كالذي يؤدى عادة في بضع آيات. وقد يؤدى في آية طويلة، أو سورة قصيرة. وهو الحد الأدنى الذي تنزل إليه التحدي أخيرًا إذ قال: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} ولم يقل بسورة من طواله أو أوساطه، بل أطلق إطلاقًا، فتناول ذلك سور المفصل الذي كان قد نزل أكثره بمكة -قبل أن ينزل هذا التحدي الأخير- حتى سورة العصر والكوثر.
وبعض الناس -كذا نقله الألوسي في مقدمة كتابه روح المعاني عن قائل مجهول- يذهب إلى أن التحدي لم يقع بمطلق سورة، بل بسورة "تبلغ مبلغًا يتبين فيه رتب ذوي البلاغة" كأنه رأى أن هذه الرتب لا تتبين في مقدار ثلاث آيات مثلًا. وهذا وإن لم يكن قادحًا في إعجاز القرآن، ولا مبطلًا لحجته "إذ يكفي ثبوت إعجازه، ولو في قدر سورة البقرة، أو سورة يونس، أو سورة هود، أو سورة الإسراء، أو سورة الطور. وهي السور التي ورد فيها ذكر التحدي" إلا أننا نحسب أن صاحب هذا القول حين ذهب إليه إنما ظن ظنًّا لم يستيقنه، واستبعد استبعادًا أن تكون هذه السور القصار معجزة في بيانها؛ لأنه لم يدرك غرابة في نظمها، فلم يفقه سر هذا الإعجاز فيها. ولكن هلا جعل ذلك حجة على قلة بضاعته في هذه الصناعة، ولم يجعل جهله بقيمتها حجة على عدم إعجازه.
فالنجم تستصغر الأبصار رؤيته ... والذنب للطرف لا للنجم في الصغر
وهلا فكر أن العرب الذين قامت الحجة بعجزهم قد استوت قدرتهم أمام طواله وقصاره فلم يعارضوا هذه ولا تلك، فهذا وحده حاسم لشبهته إن كان يكفيه البرهان، فإذا أراد العيان قيل له: اعمد إلى واحدة من تلك السور فحصل معانيها في نفسك، ثم جئ لها بكلام من عندك، فسوف ترى أنك بين أمرين: إما ألا تؤديها على وجهها في مثل هذا القدر وبمثل هذا النظم، وإما أن تعيد عين ألفاظها. لا ثالث. وحينذاك تبين أن سر الإعجاز في القصير من سور القرآن مثله في الطويل، كما أن سر الإعجاز في خلق النملة مثله في خلق الفيل. عرف ذلك من عرفه، وجهله من جهله. قال ابن عطية رحمه الله: "ونحن تبين لنا البراعة في أكثره ويخفى علينا وجهها في مواضع، لقصورنا عن رتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة. وقد قامت الحجة على العالم بالعرب، لانتهائهم إلى غاية الفصحاة البشرية" اهـ. عن الاتقان؛ نقول: ومن سار على الدرب وصل، فإن لم يدرك كل ما تمنى دله ما علم على ما جهل. والله المستعان.
اسم الکتاب : النبأ العظيم المؤلف : دراز، محمد بن عبد الله    الجزء : 1  صفحة : 142
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست