responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد    الجزء : 1  صفحة : 80
أنعم فيها فصاحة وصورة بيانية؛ إذ إنهم لم يكفروا بواحدة، بل كفروا بها كلها، فكان الجحود أشد، والضلال أبعد، ولكلمة أنعم نغمة هادئة مع سعة المعنى في الكلمة؛ إذ إنها نعم متضافرة، وفيوض خير من الله تعالى متكاثرة.
هذه حال ما أفاض الله تعالى به عليهم، كانت فيها صور النعم واضحة كلًّا وجزءًا في كل كلمة سيقت لذلك.
فلننتقل من الآية الكريمة إلى الصورة التي حلَّت محل الأولى، ولننظر إلى الكلمات السامية كلمة كلمة، ثم ننظر إلى الصورة التي تتكون من هذه الكلمات التي كانت كل منها صورة قائمة بذاتها، وهي أيضًا جزء من الصورة الكبرى التي يكونها المثل القرآني السامي.
الكلمة الأولى: أذاقها الله: في التعبير بأذاق إشارة إلى أنَّ الإيلام مس نفوسهم، وبعد أن كانوا في ترف صاروا يذوقون الضر.
يقول الزمخشري[1] في معنى الإذاقة: "قد جرت عندهم مجرى الحقيقة لشيوعها في البلايا والشدائد، وما يمس الناس منها، فيقولون: ذاق فلان البؤس والضرر، وأذاقه العذاب، شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المر"، ونرى من التعبير والتقابل أنهم بعدما سكن قلوبهم من اطمئنان، وما كان من العيش الرغد ذاقوا الجوع، وبما منحوا من أمن ذاقوا الخوف، وهكذا تجد التقابل.
والكلمة الثانية: لباس الجوع والخوف، فيها صورة بيانية رائعة، فهي تصور الجوع والخوف كأنَّه لباس لبسهم وأحاط بهم إحاطة الدائرة بقطرها، لا يخرجون منه إلَّا إليه، ولا يدورون إلّا في دائرته، وإن ذلك بلا ريب يفيد الإحاطة الشاملة الكاملة التي لا يستطيعون منها فكاكًا، وهذا يفيد استمراره، وتجدده آنًا بعد آنٍ، ولقد قال الزمخشري: "وإنَّ اللباس قد شبَّه به لاشتماله على اللابس، ما غشي الإنسان والتبس به من بعض الحوادث، وأمَّا إيقاع الإذاقة على لباس الجوع والخوف فلأنه لما وقع عبارة عمَّا يغشى منهما ويلابس، كأنه قيل: ما غشيهم من الجوع والخوف".
ومهما يكن تصوير إمام البلاغة الزمخشري من أنَّ التعبير باللباس يفيد أنه غشيهم وأحاط بهم، فإن في الكلام صورة بيانية تصوّر حالهم بعد الأنعم التي أنعم بها عليهم، وكفروا بها من أنهم في صورة من كان لابسًا للجوع والخوف، وهم يذوقون، كمن يلبس ملبسًا كله قتاد، يجرح أجسامهم، ودمي جلدهم، بيد أن هذا لا يدمي الجلد، ولكن يمسّ الحشا بالجوع، والنفس بذهاب الأمن والاستقرار، وإنا نجد أن هذه الصورة البيانية التي يصورها القرآن قد تضافرت الكلمات في تكوينها فاشترك فيها التعبير بأذاقهم، والتعبير باللباس، وكون اللباس جوعًا وخوفًا، ولباس الجوع والخوف أشد.

[1] هو محمود بن عمر الزمخشري، إمام عصره في اللغة والتفسير والحديث، توفِّي سنة 538هـ.
اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد    الجزء : 1  صفحة : 80
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست