اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 217
أفي القرآن سجع؟:
125- الأمر الذي لا مراء فيه أن القرآن الكريم فيه فواصل قد تتحد فيها حروف المقاطع أحيانًا، وقد تلونا فيما مضى من القول آيات بينات فيها من المقاطع متحدة الحروف، فهل تعد هذه سجعًا؟ اختلفت في ذلك عبارات كتاب البلاغة في القديم.
ونجد الرماني يحكم بأن القرآن فيه فواصل ليست من السجع، وبذلك يعلو القرآن في نظره عن أن يكون سجعًا، ويقاربه في ذلك الرأي أو يوافقه الباقلاني في كتابه "دلائل الإعجاز"، وسنعود إلى الاستدلال لذلك الرأي إن شاء الله تعالى.
ولكن الآن نتكلّم في وجهة نظر الذين أثبتوا أن القرآن فيه سجع وإن كان أعلى مما يستطيعه الناس أو يزاولون.
ومن هؤلاء أبو هلال العسكري في كتابه "الصناعتين" فهو يقول:
"وجميع ما في القرآن مما يجري على القرآن من التسجيع والازدواج مخالف في تمكين المعنى وصفاء اللفظ، وتضمّن التلاوة، لما يجري مجراه من كلام الخلق، ألا ترى قوله عز اسمه: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا، فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا، فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا، فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا، فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} [العاديات: 1-5] .
قد بان عن جميع أقسامهم الجارية هذا المجرى من مثل قول الكاهن: "والسماء والأرض، والقرض والفرض، والغمر والبرض"، ومثل هذا من السجع مذموم، لما فيه من التتكلف والتعسف، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للرجل الذي سأله: "أندى من لا شرب ولا أكل، ولا صاح فاستهل، فمثل ذلك يطل: "أسجعًا كسجع الكهان" لأنَّ التكلف في سجعهم فاش"، ولو كرهه -عليه الصلاة والسلام- لكونه سجعًا لقال: أسجعًا ثم سكت، وكيف يذمّه ويكرهه، وإذا سلم من التكلف، ويرئ من التعسف لم يكن في جميع صنوف الكلام أحسن منه، وقد جرى عليه من كلامه -عليه السلام".
ونرى من هذا أن أبا هلال العسكري يخالف الرماني في أنَّ السجع كله مذموم، بل منه المذموم الذي يظهر فيه التكلف، ويرهق الألفاظ والمعاني، حتى يحاول القائل أن يكون كلامه رضًا غير متماسك بملاط من المعاني.
ويرى أنّه لا مانع من أن يوصف القرآن بأن فيه سجعًا، ولكنه سجع في أعلى مراتب الكلام، بحيث لا يمكن أن يجاريه أحد، ولا يصل إلى علوه أحد من الخلق.
وابن سنان في كتابه "سر البلاغة" يسمِّي ما فيه المقاطع متحدة سجعًا، ولكن في درجة العلوِّ القرآني الذي لا يستطيع أحد أن ينهد في كلامه إليه.
ويسوق نصوصًا قرآنية بعدها من السجع منه ما تلونا، ومنه قوله تعالى: {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ، هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ، أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ، وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ، وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ، الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} [الفجر: 1- 12] .
ويقول ابن سنان: إنَّ نغم السجع كان مقصودًا، فقد حذفت الياء في يسر، وحذفت الواو، وذلك صحيح في اللغة، ويقول: قصد إليه طلبًا للموافقة في الفواصل.
اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 217