اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 146
حاكم، فإنما نهاه عمَّا يؤدي إلى فساد الحكم، وبهذا يتبين أن حكم الهوى كان مصدر فساد الحكم في الماضي، كما هو مصدر الفساد في كل الأزمان، وذكر ذلك في قصة من قصص القرآن يزيد المبدأ تبينًا وتأكيدًا، وقد بيَّنَّا أن ذكر أيّ أمر في قصة يجعله يسري في النفوس، ويدخل إلى الضمائر إن كان فيها استعداد للحق.
ولا شكَّ أن هذا كله يدل على أن القرآن يصرف فيه سبحانه البيان تصريفًا ليكون أقرب إلى التأثير والدفع إلى العمل، وليس ذكر القصص للعبرة فقط، بل هو مرشد وهادٍ مع ذلك إلى أقوم السبيل، والله أعلم.
بيان بعض الأحكام بالقصص القرآني:
87- من صور التصريف البياني بالقصص القرآني بيان بعض الأحكام الشرعية، فإنَّ ذلك يثبت هذه الأحكام ويدعمها؛ لأنها تكون أحكامًا متفقًا عليها في كل الشرائع السماوية، وبيان أنها غير قابلة للنسخ، وأنها مؤكدة ثابتة، وفي القصة تكون حكمة شرعيتها قائمة والغاية منها ثابتة، ولنذكر من قصة قابيل وهابيل ولدي آدم.
فقد قال الله تعالى فيها: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ، فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ، فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة: 27-31] .
هذه القصة تثبت أن الغيرة والحسد يؤديان إلى الاعتداء، وأن ذلك يحدث بين أقرب الناس بعضهم لبعض، وأنه لا علاج للحسد بإخراجه من النفوس، فهو فيها دفين، نعم إنه مرض، ولكنه مرض لا يمكن أن يكون منه شفاء، والناس ليسوا سواء فمنهم شقي وسعيد.
وإذا كان الأمر كذلك فلا علاج إلَّا ببتر من استكن في قلبه الحسد، وصار من شأنه التعدي استجابة له، والاعتبار في النظم لصلاح الجماعة لا لصلاح الآحاد فقط، ولذلك قال الله تعالى عقب ذكر قصة ولدى آدم: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة: 32] .
اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 146