اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 140
إن القصص القرآني فيه العبرة، وما ذكرت قصة إلّا كان معها عبرة أو عِبَر، وفيها المثلات لمن عصوا وتركوا أمر ربهم، وفيها بيان ما نزل بالأقوياء الذين غرهم الغرور، والجبابرة الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد، والله من ورائهم محيط.
وإن القصص فيه إيناس صاحب الرسالة المحمدية بأخبار إخوانه من المصطفين الأخيار، وإثبات قوله، فقد كانت تلك الأخبار الصادقة ما كانت لتعليم إلا لمن شاهد، وما شاهد أحداثها وهو لا يزال في بطن الغيب، كما قال -سبحانه وتعالى- عقب قصة مريم: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44] وكما قال تعالى في قصة موسى -عليه السلام- ووقائعها، قد قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ، وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص: 44-46] .
لم يكن محمد مشاهدًا الأحداث التي جاء القرآن الكريم بقصصها، وهي صادقة وثابتة في الصادق من أخبار النبيين في كتبهم التي يتداولها أهل الكتاب، ولم يتناولها التحريف.
ولم يكن بمكة مدرسة لاهوت، بل لم يكن بمكة يهود ولا نصارى إلا خمَّار ألحدوا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ منه كذبًا وبهتانًا، فقال الله تعالى ردًّا عليهم: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103] .
وكانت مكة بلدًا أميًّا، ليس به علم، ولا رياسات، إلّا مباريات رياسية في البيان، وكان محمد -صلى الله عليه وسلم- أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، وقد قال الله تعاى وهو أصدق القائلين: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48] .
لذلك نقول: إن القصص القرآني ذاته فيه إعجاز ذكره الكتاب جاء على لسان أمي لا يقرأ ولا يكتب؛ إذ هو النبي الأمي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.
ويتساءل أيّ تالٍ للقرآن: من أين جاء محمد بهذا القصص الحق، وهو لم يشاهد وقائعه، ولم يقرأها؛ لأنه لم يكن قارئًا؟ إنه من عند الله العزيز الحكيم علَّام الغيوب، وبذلك كان القصص الصادق من التحدي.
اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 140