اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 119
التكرار في القرآن:
74- كانت السور منها القصار ومنها الطوال، وإنَّ الجميع بترتيب من الوحي الإلهي، ولم يكن من عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير وحي، بل هو من توقيف الله تعالى ووحيه، وإنَّ وضع الآيات بعضها بجوار بعض من وحي الله تعالى؛ إذ كانت الآية إذا نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بوضعها في مكانها من السورة التي يعينها بالوحي النازل عليه، والذي كان لا يني عن الاتصال به فيما يتعلق بالقرآن الكريم. وإن ذلك من الإعجاز؛ إذ إنَّ الآيتين المتلاصقتين مع أنهما قد تكونان نزلتا في زمنين متباعدين، نجد أن كل واحدة لقف للأخرى، هما صنوان متلازمتان متآخيتان، وذلك من سرِّ الإعجاز ودلائله؛ إذ إنَّ التناسق البياني بينهما متصل، والمعاني متلاقية، وكل واحدة منها تتم الأخرى في الموضوع في أحيان كثيرة، وفي التوجيه النفسي والتوالد المعنوي بينهما؛ بحيث لا يتصور القارئ للقرآن الكريم، أو المستمع لترتيله والمدرك لنغمه؛ لا يحسب أن بينهما فارقًا زمنيًّا في النزول.
وبجوار طول السور وقصرها، مع الإعجاز في كلها، قد نجد في القرآن تكرارًا، وهو من تصريف البيان، لا من الإطناب المجرَّد، إنما هو لمقاصد ولتوجيه النظر، ومناسبة المقام، ولقد لاحظ ذلك الأقدمون الذين تكلموا في سر الإعجاز، وقد قال في ذلك الجاحظ في كتابه الحيوان:
"ورأينا الله -تبارك وتعالى- إذا خاطب العرب والأعراب أخرج الكلام مخرج الإشارة والوحي والحذف، وإذا خاطب بني إسرائيل أو حكى عنهم جعله مبسوطًا وزاد في الكلام".
وإنَّا نقدِّر كلام الجاحظ حق قدره، وإن ذلك واضح في كثير من آي القرآن، وإن الأعراب الذين يعتمدون على ذاكرتهم؛ لأنهم أميون يناسبهم الكلام الموجز، وأحيانًا يغني فيهم لمح القول ولحنه وإشارته، ولكن نلاحظ ثلاثة أمور:
أولها: إنه قال: وزاد في الكلام، وإنَّا لا نحسب أنَّ هذه الكلمة تتفق مع بلاغة القرآن ولا مقامه، فليس في القرآن زائد، وإن أطنب في القول؛ لأن الزيادة تتسم بالحشو، ومحال ذلك في أبلغ القول الذي نزل من عند الله تعالى، ولعله أراد معنى البسط والإطناب لا أصل الزيادة، ولا يمكن أن يكون قد أراد الحشو، ولكن مع كل نقول: هذه العبارة ليست سائغة.
الثاني: إنَّ الآيات المكية وقد كان الخطاب لعبدة الأوثان، فإنَّا نجد فيها بسطًا في القول، وخصوصًا في الاستدلال من الكون على أنَّ الله -سبحانه وتعالى- خالقه، وفي الاستدلال بعجزهم، والالتجاء إليه سبحانه.
اقرأ قوله تعالى: {أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ، أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ، أَمْ مَنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ، أَمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: 60-64] .
اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 119