اسم الکتاب : المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 240
سورة الأعراف:
بسم الله الرحمن الرحيم
من ذلك قراءة أبي جعفر: "ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا"[1] بضم الهاء.
قال أبو الفتح: هذا مذهب ضعيف جدًّا؛ وذلك أن الملائكة مجرورة، ولا يجوز أن يكون حذَف همزة "اسجدوا" وألقى حركتها على الهاء من موضعين:
أحدهما: أن هذا التخفيف إنما هو في الوصل، والوصل يحذف هذه الهمزة أصلًا إذ كانت همزة وصل، فيا ليت شعري من أين له همزة أصلًا في الوصل حتي يُلقي حركتها للتخفيف على ما قبلها، وليست كذلك الهمزات التي تُلقى للتخفيف حركاتهن على ما قبلهن؛ لأن لك أن تثبت هذه الهمزة قبل حذفها للتخفيف؟ ألا تراك أنك إذا خففت همزة أنت من قولك: مَن أنت جاز منَ انت؛ لأن لك أن تحققها قبل التخفيف فتقول: من أنت؟ وليس لك أن تثبت همزة "اسجدوا" في الوصل فتقول: للملائكة أُسجدوا، فيجوز تخفيفها فيما بعد.
وهذا واضح، وهو أذهب في الفحش من قول الفراء: مَنْ فتح "ميم" من قوله تعالى: "ألف لام ميم الله"[2]، إنه حذف همزة "الله" وألقى حركتها على ميمِ "ميمَ"؛ لأن له أن يقول: إن الهجاء عندنا على الوقف، فإذا وصل فإنه مع ذلك ينوِي الوقف، والوقف يجوز معه قطع همزة "الله"، وليس كذلك "ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا"؛ لأنه ليس من حروف الهجاء فيُنوَى فيه الوقف عليه ثم تخفيف همزته، وعلى أن مذهب الفراء هناك أيضًا مدفوع عندنا لأنه لا يُخَفَّفُ إلا في الوصل، والوصل يُسقط همزة اسم الله تعالى، فالطريق في الفساد واحدة وإن كان فيه في قول الفراء ذلك القدر من تلك الشبهة الضعيفة.
فإن قال الفراء: قولهم: "نون وَالْقَلَمِ"[3] بترك إدغام النون في الواو يدل أن نية الوقف [1]سورة الأعراف: 11. [2] سورة آل عمران: 1، 2. [3] سورة القلم: 1.
اسم الکتاب : المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 240