اسم الکتاب : الظاهرة القرآنية المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 277
المناقضات
بعد أن حاولنا بيان استقلال الظاهرة القرآنية، وموضوعيتها بالنسبة للذات المحمدية، يصبح هدفنا من هذا الفصل أن نؤكد محاولتنا تلك بتفصيل القول فيما حدث أحياناً من مناقضة صريحة بين الميول والاتجاهات الطبيعية لدى النبي، وبين ما يعتريه خلال تلقيه الوحي. هذه المناقضة تجلو لأعيننا الخصائص الظاهرية التي بيناها وأكدناها حتى الآن في القرآن، أعني: موضوعيته واستقلاله بالنسبة للذات المحمدية. وأول مثال على هذه المناقضة قوله تعالى:
{وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه 114/ 20]
فلقد كان النبي في مستهل دعوته يجهد ذاكرته وهو يعاني حالة التلقي، لكي يثبت الآيات كما نزلت، وتلك حالة غريزية تلقائية تحدث لأي إنسان ينصت لآخر، وهو يريد أن يحفظ كلامه، فهو يكرره في نفسه.
فالتكرار في الحقيقة عمل تدريبي للذاكرة، غريزي أساسي، فهو لهذا يصدر طبيعياً عن الذات نفسها، أياً كانت درجة وعيها، بل قد يحدث أن نكرر كلمات شخصية محضة، في أحلامنا مثلاً، ولكن حالة التلقي ليست حالة بين اليقظة والنوم Hypnagogique، ولا سيما بالنسبة للذات المحمدية، التي ربما كانت تقوم بتدريب ذاكرتها تلقائياً، ولكن بطريقة آلية مقصودة، تحتفظ معها في هذه الحالة ببعض حريتها ووعيها، ويتجلى هذا في هيئتها البدنية، إذ يظل النبي جالساً، كما يتجلى في سلوكها العقلي، حين يكرر ما يوحى إليه.
فالآية المذكورة تأتي بما يضاد هذا السلوك الطبيعي، إذ يطلق النبي لإرادته
اسم الکتاب : الظاهرة القرآنية المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 277