اسم الکتاب : التفسير والمفسرون المؤلف : الذهبي، محمد حسين الجزء : 1 صفحة : 192
قال ابن عيينة: أنزع عنهم فهم القرآن. أخرجه ابن أبى حاتم".
هذه هى العلوم التى اعتبرها العلماء أدوات لفهم كتاب الله تعالى، وقد ذكرناها مسهبة مفصَّلة، وإن كان بعض العلماء ذكر بعضاً وأعرض عن بعض آخر، ومنهم مَن أدمج بعضها فى بعض وضغطها حتى كانت أقل عدداً مما ذكرنا، وليس هذا العدد الذى ذكرنا حاصراً لجميع العلوم التى يتوقف عليها التفسير، فإن القرآن - مثلاً - قد اشتمل على أخبار الأمم الماضية وسيرهم وحوادثهم، وهى أمور تقتضى الإلمام بعلمى التاريخ وتقويم البلدان، لمعرفة العصور والأمكنة التى وُجِدت فيها تلك الأُمم، ووقعت فيها هذه الحوادث. وأرى أن أسوق هنا مقالة الأستاذ المرحوم السيد محمد رشيد رضا فى مقدمة تفسيره تتميماً للفائدة، وإليك نص هذه المقالة التى اقتبسها من دروس أستاذه الإمام الشيخ محمد عبده عليه رضوان الله.
قال رحمه الله: "للتفسير مراتب: "أدناها أن يُبيِّن بالإجمال ما يُشرِب القلب عظمة الله وتنزيهه، ويصرف النفس عن الشر، ويجذبها إلى الخير، وهذه هى التى قلنا إنها متيسرة لكل أحد: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر: 17] ..
وأما المرتبة العليا فهى لا تتم إلا بأمور:
أحدها: فهم حقائق الألفاظ المفردة التى أودعها القرآن، بحيث يحقق المفسِّر ذلك من استعمالات أهل اللغة، غير مكتف بقول فلان وفهم فلان، فإن كثيراً من الألفاظ كانت تُستعمل فى زمن التنزيل لمعان ثم غلبت على غيرها بعد ذلك بزمن قريب أو بعيد، من ذلك لفظ: "التأويل"، اشتُهر بمعنى التفسير مطلقاً، أو على وجه مخصوص، ولكنه جاء فى القرآن بمعان أخرى، كقوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق} [الأعراف: 53] .. فما هذا التأويل؟ يجب على مَنْ يريد الفهم الصحيح أن يتتبع الاصطلاحات التى حدثت فى المِلَّة، ليفرِّق بينها وبين ما ورد فى الكتاب، فكثيراً ما يُفسِّر المفسِّرون كلمات القرآن بالاصطلاحات التى حدثت فى المِلَّة بعد القرون الثلاثة الأولى، فعلى المُدقِّق أن يُفسِّر القرآن بحسب المعانى التى كانت مستعملة فى عصر نزوله، والأحسن أن يفهم اللفظ من القرآن نفسه، بأن يجمع ما تكرر فى مواضع منه وينظر فيه، فربما استُعمِل بمعان مختلفة كلفظ الهداية وغيره، ويحقق كيف يتفق معناه مع جملة معنى الآية: فيعرف المعنى المطلوب من بين معانيه، وقد قالوا: إن القرآن يُفسِّر بعضه
اسم الکتاب : التفسير والمفسرون المؤلف : الذهبي، محمد حسين الجزء : 1 صفحة : 192