اسم الکتاب : التفسير والمفسرون المؤلف : الذهبي، محمد حسين الجزء : 1 صفحة : 187
أبو بكر رضى الله عنه يقول - وقد سُئل عن الكلالة -: "أقول فيها برأيى فإن كان صواباً فمِن الله، وإن كان غير ذلك فمِنى ومِن الشيطان: الكلالة كذا وكذا".
ويمكن أن يُقال أيضاً: إنما أحجم مَنْ أحجم، لأنه كان لا يتعيَّن للإجابة، لوجود مَنْ يقوم عنه فى تفسير القرآن وإجابة السائل، وإلا لكانوا كاتمين للعلم، وقد أمرهم الله ببيانه للناس.
وهناك أجوبة أُخرى غير ما تقدَّم. والكل يوضح لنا سر إحجام مَنْ أحجم مِنَ السَلَف عن القول فى التفسير برأيهم، ويبيِّن أنه لم يكن عن اعتقاد منهم بعدم جواز التفسير بالرأى.
وأما الفريق الثانى - فريق المجوِّزين - فقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بما يأتى:
أولاً - بنصوص كثيرة وردت فى كتاب الله تعالى: منها قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ..} [محمد: 24] وقوله: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ليدبروا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ الألباب} [ص: 29] .. وقوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرسول وإلى أُوْلِي الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] ، ووجه الدلالة فى هذه الآيات: أنه تعالى حَثَّ فى الآيتين الأوليين على تدبر القرآن والاعتبار بآياته، والاتعاظ بعظاته، كما دلّت الآية الأخيرة على أن فى القرآن ما يستنبطه أُولوا الألباب باجتهادهم، ويصلون إليه بإعمال عقولهم، وإذا كان الله قد حثَّنا على التدبر، وتعبَّدنا بالنظر فى القرآن واستنباط الأحكام منه، فهل يُعقل أن يكون تأويل ما لم يستأثر الله بعلمه محظوراً على العلماء، مع أنه طريق العلم، وسبيل المعرفة والعظة؟ لو كان ذلك لكنَّا مُلْزَمين بالاتعاظ والاعتبار بما لا نفهم، ولما توصلنا لشئ من الاستنباط، ولما فُهِم الكثير من كتاب الله تعالى.
ثانياً - قالوا: لو كان التفسير بالرأى غير جائز لما كان الاجتهاد جائزاً، ولتعطل كثير من الأحكام، وهذا باطل بَيَّنُ البطلان، وذلك لأن باب الاجتهاد لا يزال مفتوحاً إلى اليوم أمام أربابه، والمجتهد فى حكم الشرع مأجور، أصاب أو أخطأ، والنبى صلى الله عليه وسلم لم يُفسِّر كل آيات القرآن، ولم يستخرج لنا جميع ما فيه من أحكام.
ثالثاً - استدلوا بما ثبت من أن الصحابة - رضوان الله عليهم - قرأوا القرآن واختلفوا فى تفسيره على وجوه، ومعلوم أنهم لم يسمعوا كل ما قالوه فى تفسير القرآن من النبى صلى الله عليه وسلم، إذ أنه لم يُبيِّن لهم كل معانى القرآن، بل بَيَّنَ لهم بعض معانيه، وبعضه الآخر توَّصلوا إلى معرفته بعقولهم واجتهادهم، ولو كان القول بالرأى فى القرآن محظوراً لكانت الصحابة قد خالفت ووقعت فيما حرَّم الله، ونحن نُعيذ الصحابة من المخالفة والجرُأة على محارم الله.
اسم الکتاب : التفسير والمفسرون المؤلف : الذهبي، محمد حسين الجزء : 1 صفحة : 187