اسم الکتاب : التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية المؤلف : علي علي صبح الجزء : 1 صفحة : 87
بـ "الفاء" التي تدل على التلهُّف لأنفه الأمور للحظة وجيزة، فمثل عمل المنافق غير باقٍ ولا خالد، مما جد في طلبه وتحصيله، فالله المنتقم الجبار، قد أخفق سعيه، وأذهب الضوء الخافت ليزداد الليل ظلامًا على ظلامه، فاختفى "النور" للدلالة على عين النار وأثرها وهو الضوء معًا، فلم يبق منهما شيء في جوف الليل، ثم ازداد الليل وحشة ورعبًا بمجيء قوله: "وتركهم"، فالترك من الله لا من غيره، يعد من أشد ألوان العذاب، ومجيء الجمع للظلام في قوله: "في ظلمات"، فهي ظلمات بعضها فوق بعض؛ لأن الظلام بعد النور يكون أشد وأنكى على النفس، وفي قوله: "لا يبصرون" يصفهم القرآن لا بالعمى، بل بنفي الإبصار وهو أشد؛ لأن نفي الشيء أبلغ من إثباته فقط، فالنفي إثباتًا وعدم في وقت واحد، ليقيم الدليل على الإثبات بالنفي، وما أروع التصوير القرآني بعد النفي المطلق بالمصدر؟ الذي يدل على الحدث والصفة مجردة من الزمان المتجدد، ليدل على الثبوت والدوام في قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} ، فقد انقطع منهم كل رجاء أي رجاء، فلم يكن العمى وحده صفتهم، بل أصيبوا بالصم والبكم وعدم الرجوع إلى الحق والخير والإيمان الصادق.
آمال المنافق صواعق:
ومن خلال مشاهد الطبيعة يصورها القرآن الكريم في مشهد حي يموج بالحياة والحركة من السماء والأرض، والضوء والظلام، والرعد، والبرق، والصواعق والموت، فيبث فيها القرآن روحه المعجزة، لتصير صورة قرآنية خالدة يتحدَّى بها البشر كما في قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ
اسم الکتاب : التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية المؤلف : علي علي صبح الجزء : 1 صفحة : 87