اسم الکتاب : التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية المؤلف : علي علي صبح الجزء : 1 صفحة : 72
يخرج شيء من علم الله القديم الشامل، كما تقدم السمع في سورة طه: {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [آية: 46] ، بعد قوله تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] ، ولمقتضى الحال.
لكن الكثير الغالب أن يأتي السمع مقدمًا على البصر بالنسبة للعباد، لأنه أبلغ إعجازًا في مقام انتفاعهم بالعلم والتلقي، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78] ، وكذلك استفادتهم في معاشهم وهدايتهم، ويرجع تقديم السمع للعباد إلى أسباب، أهمها: أن الوليد يكتمل سمعه قبل بصره، فيسمع ما حوله بعد مولده مباشرة قبل أن يفتح عينيه ويرى، وأن المسموعات تتراسل إلى الأذن من كل الجهات، من الأمام والخلف، أو اليمين واليسار، أو من أعلى وأسفل، وقد يغمض اليقظان عينيه فلا يرى أحدًا، لكنه يسمع من حوله، بينما البصر لا تتأتى فيه الرؤية إلا من جهة واحدة وهي الجهة المقابلة.
وكذلك الانتفاع بالسمع في مقام الهدايات أكثر من البصر الذي يقتصر على القراءة فقط، بينما السامع قد يكون أميًّا لا يقرأ، كما أن السمع لا تقف دونه حواجز، بينما يتعرض البصر لموانع تحجز عنه المرئيات، جاء ذلك كثيرًا في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ} [الأنعام: 46] وقوله: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الملك: 23] ، وغيرها كثير.
ولم يأت السمع متأخرًا عن البصر مع العباد إلا نادرًا لغرض
اسم الکتاب : التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية المؤلف : علي علي صبح الجزء : 1 صفحة : 72