responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التصور الفني في القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 249
فحسب؛ ولكن اختيرت لها صور حية، وقيست بمقاييس حية. ومرت من خلال وسط حي[1].
فهول الساعة العظيم يصور في ذهول المرضعات عما أرضعن، وتخلي الحاملات عن حملهن، وترنح السكارى وما هم بسكارى، ويقاس بمدى فعل الهول في هذه النفوس الآدمية، لا بالألفاظ والأوصاف التجريدية.
أو يصور في فرار المرء من أخيه وأمه أبيه، وفصيلته التي تؤويه، حيث يكون {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} . فهو يقاس بأثره في النفس الإنسانية لا بالمقاييس الأخرى الوصفية.
فإذا اشتركت الجوامد في تصوير هذا الهول خلعت عليها الحياة أو أشرك معها الأحياء: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} فهي حية ترتجف كالآدميين. أو {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا، السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} فالسماء المنفطرة بجوارها الأطفال الشيب ...
وهول الطوفان يصور في الطبيعة، وإلى جانبها يصور في والد وولده: ذلك ناج في السفينة ملهوف على فلذة كبده، وهذا يحرقه الطوفان حيث: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} . وإن الهول هنا ليكاد يكون أعظم من الهول في الطبيعة: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} فما كان الموج في المشهد إلا إطارًا للهول النفسي الذي يفرق بين الابن وأبيه، ويفصم الصلة التي لا تقصمها الأهوال!

[1] كان للأستاذ العقاد فضل توجيهي إلى إفراد هذه السمة القرآنية بالإشارة، بعد ما ورد منها في ثنايا الكتاب من أمثلة متفرقة.
اسم الکتاب : التصور الفني في القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 249
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست