اسم الکتاب : التصور الفني في القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 217
1- من النماذج الإنسانية التي تصور الجنس كله:
{وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} .
تجتمع لهذا النموذج السريع كله عناصر الصدق النفسي، والتناسق الفني. فالإنسان هكذا حقًّا: حين يمسه الضر، وتتعطل فيه دفعة الحياة، يتلفت إلى الخلف، ويتذكر القوة الكبرى، ويلجأ عندئذ إليها؛ فإذا انكشف الضر، وزالت عوائق الحياة، انطلقت الحيوية الدافعة في كيانه، وهاجت دواعي الحياة فيه، فلبى دعاءها المستجاب، و"مر" كأن لم يكن بالأمس شيء!
إن الحياة قوة دافعة إلى الأمام، لا تلتفت أبدًا إلى الوراء، إلا حين يعوقها حاجز عن الجريان.
وأما التناسق الفني فيها فهو في تلك الإطالة في صور الدعوة عند الضر: {دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} ، ثم في ذلك الإسراع عند كشف الضر: {مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} . إن هاتين الصورتين تمثلان بالضبط وقوف التيار عن الجريان أمام الحاجز القوي، فقد يطول هذا الوقوف ويطول، فإذا فتح الحاجز تدفق التيار في سرعة، و"مر" كأن لم يقف قبل أصلًا.
يرسم هذا النموذج مرات كثيرة في القرآن، ولكنه يرسم من جوانب مختلفة، تلتقي عند النقطة الأساسية، ثم تسير في طرائق شتى. ذلك مثل:
{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْأِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا} أو {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا
اسم الکتاب : التصور الفني في القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 217