اسم الکتاب : التصور الفني في القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 185
فعدم ذكر اسمه يتفق مع هذه الشخصية المعنوية التي يمثلها. وإن القوى المجهولة لتتحكم في القصة منذ نشأتها؛ فها هو ذا موسى يريد أن يلقى هذا الرجل الموعود، فيمضي في طريقه ولكن فتاه ينسى غداءهما عند الصخرة، وكأنما نسيه ليعودا، فيجد هذا الرجل هناك؛ وكان لقاؤه يفوتهما لو سارا في وجهتها، ولو لم تردهما الأقدار إلى الصخرة كرة أخرى.. كل الجو غامض مجهول، وكذلك اسم الرجل الغامض مجهول.
ثم يأخذ السر في التجلي، فيعلمه النظارة حين يعلمه موسى:
{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا، وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا، وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} .
وفي دهشة السر المكشوف يختفي الرجل كما بدا. لقد يخطر للأذهان الدهشة بعد أن تصحو أن تسأل: من هذا؟ ولكنها لن تتلقى جوابًا. لقد مضى في المجهول، كما خرج من المجهول، فالقصة تمثل الحكمة الكبرى، وهذه الحكمة لا تكشف عن نفسها إلا بمقدار، ثم تبقى مجهولة أبدًا.
اسم الکتاب : التصور الفني في القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 185